نون والقلم

عوني صادق يكتب: أبعد قليلاً من المال القطري

بعد تأخيرها لعدة أيام، وإعلان حركة (حماس) رفض المنحة القطرية بالشروط «الإسرائيلية»، ورفض أن تتحول إلى «وسيلة ابتزاز»، تم التوصل إلى «اتفاق جديد» أتاح إدخال جزء منها، (15 مليون دولار)، توزع بمساعدة الأمم المتحدة، على مئة عائلة محتاجة، ولمشاريع تعود للبنى التحتية، ثم البحث عن «آليات» جديدة، للإبقاء على تدفق أموال المنحة.

وفي مقال له تحت عنوان «هدوء مؤقت لإسرائيل وإحباط للسلطة الفلسطينية»، نشرته صحيفة (هآرتس- 2019/1/27)، شرح المراسل الأمني للصحيفة عاموس هارئيل كيف سارت الأمور حتى إتمام «الصيغة الجديدة»، إلى جانب توضيح لماذا كان التأخير، على النحو التالي:

1) بين أن الموافقة على المنحة القطرية في الأصل كانت عبارة عن رشوة لحركة (حماس) لوقف (مسيرات العودة)، أو لكبح العنف الناجم عن منظمات أخرى. لكنها واجهت انتقادات واسعة في الأوساط «الإسرائيلية» بسبب صور الحقائب، ونظر إليها على أنها خضوع لحركة (حماس). في الوقت نفسه، واجهت حركة (حماس) انتقادات مماثلة، واعتبرت خضوعاً للشروط «الإسرائيلية».

2) تم التوصل إلى «الصيغة الجديدة» على أساس إدخال (15 مليون دولار) من أصل (60 مليون دولار) بعد توصية من الأذرع الأمنية، لأن (حماس) نجحت في كبح العنف، وعلى أساس أن توزع ال(15 مليون دولار) على عائلات محتاجة ومشاريع تعود للبنية التحتية وبمساعدة الأمم المتحدة. هذا الحل، كما يرى هرئيل، مريح للحكومة «الإسرائيلية»، لكنه يمكن أن يتحول إلى مشكلة، بسبب تدخل الأمم المتحدة، وربما (الأونروا) أيضاً. وهو إنجاز لحركة (حماس)، على اعتبار تعزيز الاعتراف الواقعي بها وبحكمها.

3) وفي النتيجة، يرى هرئيل أن هذا الحل يمكن أن يحقق هدوءاً نسبياً للحكومة «الإسرائيلية»، ولكنه لن يمنع العنف، ولو حتى موعد الانتخابات في نيسان/إبريل المقبل.

آراء «الإسرائيليين» تكاد تتفق على أساس النتائج التي عرضها هرئيل. وفي مقال نشره تل رام ليف، في صحيفة (معاريف- 2019/1/28) حول الموضوع، رأى أن «الصيغة الجديدة» أعفت طرفي العملية (الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس) من الانتقادات الواسعة التي تعرضتا لها، وأضاف: «غير أن هذا كله ليس حلاً بل هو شراء للوقت، فأكوام الدولارات تؤخر الانفجار الذي سيأتي في النهاية»!

واللافت في التعليقات والتحليلات «الإسرائيلية»، أنها تبدأ وتنتهي عند «الهدوء مقابل الهدوء»، وهو ليس صحيحاً بالتأكيد، لا بالنسبة للموقف «الإسرائيلي» ولا بالنسبة لموقف حركة (حماس). فالمعروف أن الحديث عن «الهدوء» عاد إلى الواجهة بعد فشل «مفاوضات حول تسوية أو هدنة طويلة»، بالنسبة للحكومة «الإسرائيلية». هذا أولاً، وثانياً أن «مسيرات العودة» كانت «لحق العودة» ثم صارت «لرفع الحصار»، بالنسبة لحركة (حماس). وجاءت انتخابات الكنيست المبكرة لتؤكد حاجة نتنياهو للهدوء حتى الانتهاء من الانتخابات، دون أن تتغير ممارسات الجيش «الإسرائيلي» تجاه غزة، بل وتحولت إلى هوس مجنون في الضفة الغربية.

وإذا ابتعدنا قليلاً عما يضخّه الإعلام الموجه على الجانبين، لا بد أن نتذكر أن للجانب «الإسرائيلي» هدفين واضحين: إبقاء الحصار، والضغط على حركة (حماس) للقبول بشروطها، ليس فقط بما يخص المنحة القطرية، بل أساساً بما تسعى إليه من «هدنة طويلة». والثاني، الإبقاء على حالة الانقسام والصراع بين (حماس) والسلطة في رام الله، وتسعيره! من هنا، لا بد أن ننتبه أن كل الاتفاقات التي تتم، لم تكن لتتم لولا أنها تحقق لنتنياهو هدفيه الرئيسيين، أو تضعهما على طريق التحقق. ونعرف أن حركة (حماس) تبذل كل ما تستطيع لتمنع تحقيق الشروط «الإسرائيلية»، لكن لا يمكن لنتنياهو أن يتنازل عن شروطه. وفي أفضل الأحوال، فإنه إذا بدت الأمور وكأنها لا تسير حسب رغبة نتنياهو وعصابته، فإنه من الصعوبة أن تسير حسب (حماس) ورغبتها، وبين الشد والجذب وعمليات المناورة والتحايل، تتآكل قضية رفع الحصار من غير شروط، وتتآكل أكثر قضية حرب التحرير وحق العودة، بينما يقترب الوضع من الانفجار الذي يعيد الجميع إلى المربع الأول!

awni.sadiq@hotmail.com

نقلا عن صحيفة الخليج

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى