نون لايت

حاتم إبراهيم سلامة يكتب: « رغبة» مجموعة قصصية تجسد طرحًا جريئًا

«رغبة» مجموعة قصصية لا يمكن أن نصفها بأنها صادمة، ولكن الذي يليق بها، أن نصفها بأنها جريئة ومثيرة، حينما حاولت أن تتحدث عن مشاهد في حياتنا كبشر، وترصد أحداثا لم يتحدث عنها أحد، ولم يكتب عنها كاتب، في زيٍ أدبي، ومشهد بياني رائع مدهش.!
حرت كثيرًا أمام عنوان هذه المجموعة القصصية التي طرحتها الصحفية والأديبة الموهوبة« سمية عبد المنعم» تحت عنوان رغبة! وقلت في نفسي: إنها تتنازع بين تسميتين (رغبة أو جرأة)، فقد تناولت مشكلات حساسة في حياة الإنسان، وربما تصعقك بعض الأطروحات، لكنك حينما تُبصر الحياة وواقعها ومشكلاتها وحال الإنسان فيها، لا يسعك إلا أن تؤكد أن المجموعة «رغبة»، ما هي إلا مرآة صادقة للتعبير عن مشكلات دقيقة في حياتنا.
وبقدر ما تتمتع به الكاتبة، من جماليات الكتابة، وحسن الصياغة، وجودة الإنشاء، فإن ذلك قد لا يشغلك كأديب، كما تعهد دوما أن تنشغل بمثله، لأن الكاتبة نجحت في خطتها التي وضعتها، أن تسرق العقول بطرحها الجريء، في قصصها الصادمة.
وإذا كان الأديب يهتم دومًا بجماليات اللغة والصياغة، فإن الكاتبة قدمت ما يدلل على أنها أديبة، وليست مجرد قاصة أو حكاءة للحواديت والروايات، وذلك عبر الجمل الأدبية القوية القويمة الرصينة، التي صاغتها في أبهى مشهد وأرشق عبارة.
فبين الحين والحين تستوقفنا في توصيفاتها لبعض المشاهد، بصياغة أدبية عالية راقية، تثبت أننا أمام أديبة تملك ناصية القلم والبيان.
انظر هنا لبعض تعبيراتها الأدبية:
«جسد من العاج المزهر يتلألأ بين عينيه جيئة وذهابا.. ها هو الليل بصخبه يزحف إلى عينيه فيزيح ذلك الملل الجاثم فوق سنواته الأربع عشرة ويمسك بتلابيبها يجرها جراً»
فطلب إليها أن يلثم خدها الناري
– غزاها خجل مرتعب وكأن عارًا يلاحقها
– كيف تتركه يلجها بعد ما أذاقها من هوان
– وكأن روحا غانية تسكن جسدها”
وتعابير أخرى تدهشك جدًا وتجعل حسك وذوقك ووجدانك ينتعش وينتشي وتتساءل:
كيف اهتدى إليها بنان الكاتبة الأديبة.؟!
– لا شك أن من أبرع ما تتسم به هذه المجموعة القصصية للكاتبة «سمية عبد المنعم» هو وضوح الأسلوب وسلاسة العبارات، البعيدة كل البعد عن التعقيد والغموض والتقعر والصعوبة في النطق والتجهم في التفسير.. وإنه لعمري من صفات الأديب الناجح والكاتب العبقري.
– الكاتبة تملك في سردها قدرة فائقة على تمثيل المشاهد وتجسيد المواقف، التي تجعل القارئ لا يعيش مع الحدث فقط، وإنما يصير جزء منه، وهي خبرة لا يقوى عليها إلا الكتاب المتمرسين والخبريين بدنيا البيان.
– ولعلي هنا أن أعرض لبعض الاسقاطات الهامة التي ألهمتني إياها بعض القصص التي تضمها هذه المجموعة.
في قصتها تحت عنوان (عطش) تجسد الكاتبة صراع المرأة أو محنة المرأة حينما تضعف بين نداء الشهوة وبين نداء الكرامة، التي تهان على يد الرجل ويذيقها الذل لو كان زوجها ورجلها، وهي مشكلة كبيرة تُجسد حال بعض النساء اللاتي ينظرن للرجل على أنه الحياة، ولا يمكن الاستغناء عنه، وأنها أقرب إلى الموت لو حرمت منه، وفي نهاية القصة يحدث تناقض عجيب في حياة المرأة، حينما تستسلم أمام داعي الشهوة، وتتناسى إذلال الرجل لها، بل تتركنا في حيرة متسائلين هل المرأة ضعيفة أم قوية؟
وفي قصتها تحت عنوان: (هو) تتعرض لمشكلة مجتمعية كبيرة وخطيرة وهي التحرش بالصغار، وصورت حادثة التحرش كما لو حدث بين حبيبين، لتلفتنا إلى أن المصيبة والكارثة ليست في عدوان المتحرش، وإنما في استعذاب المعتدى عليها لهذا التحرش، وإيناس جسدها لإجراءاته!! وهو ما عبرت عنه الكاتبة بقولها:
« ومنذ تلك اللحظة، عرف قلبها الصغير ذو الخمس سنوات أن هناك في هذا الكون مخلوقًا رائعًا يسمى الحب»
– أما قصة «الخروج» فإنها تذم بعض سمات هذا المجتمع وخصائله الدنيئة حينما يقتل البراءة، ويأخذ بالشبهة، ويرفض تبين الحقائق، ولا ينسى الزلة ولا يغفر الهِنات.
– وفي قصة «الكشك الخشبي» استطاعت الكاتبة أن تثبت قدرتها على تجسيد المشاهد أمام القارئ ببراعة كبيرة وفائقة، فأنت حينما تقرأ تشعر بجسدك يرتجف وجلدك يقشعر، وهو دليل دقيق لنجاح الكاتبة وقدرتها على التوصيف وإجادتها لإحداث معايشة حقيقية ودمج القارئ مع ما كتبت.
– وفي قصتها الأولى تحت عنوان «سعاد» تلفت إلى خصلة دقيقة في حياة الكثيرين من البشر، وهي استعذاب الحرام، والتمتع بممارسته مهما توفر لك من صور وأشكال الحلال المباح.
– وهكذا مع كل قصة من هذه المجموعة الطريفة الأنيقة الجريئة، تضع الكاتبة الأديبة يديها على حدث صادم، ومشكلة ضاربة في حياتنا لم يسبق لأحد أن تناولها أو لمس لأنينها.

أخبار ذات صلة

Back to top button