يشهد السودان منذ ديسمبر الماضي، انتفاضة شعبية كبيرة شملت غالبية مدن السودان، ففي وقت متزامن خرجت أكثر من خمسين مدينة في أنحاء السودان، تطالب برحيل النظام.
فشعب السودان المناضل، خاض انتفاضات عدة منذ العام 1924، المطالبة بالاستقلال من الاستعمار البريطاني، ولكن هذه الثورة قمعتها قوات الاحتلال، تلتها انتفاضة 1948، حتى تفجرت ثورة 1956، التي انتهت إلى استقلال السودان.
ثم تلت ذلك ثورتان شعبيتان الأولى عام 1964، التي أطاحت بحكومة الفريق ابراهيم عبود، والثانية في عام 1985، التي أطاحت بحكم المشير جعفر نميري، لكن الانتفاضة الحالية والتي سبقها حراك لمرات عدة، أكثر تنظيماً وأشمل وأكثر وعياً لدى الجماهير، التي عانت ثلاثين عاماً، فانحدرت السودان سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وعم الفساد والنهب والقمع من حزب المؤتمر الوطني الحاكم وأعوانه، إضافة إلى سياسات أدت إلى حروب داخلية، انقسم على أثرها السودان، ولم يتوان الاخوان من التعاون مع إسرائيل والمخابرات الأميركية والغربية، فتحول السودان إلى أكثر البلدان بؤساً، وعمت المعاناة المعيشية في جميع أرجاء السودان.
إن أي حراك يبدأ شعبياً، ولا تقوم به الأحزاب السياسية، ولكن هذه الأحزاب عليها قراءة مزاج الجماهير ونبض الشارع، وتعمل على تنظيم الناس وتعبئتهم، وهذا ما حدث في السودان، فدخلت أكبر كتلتين سياسيتين، هما نداء السودان يقوده حزب الأمة الإسلامي برئاسة الصادق المهدي، وقوى الاجماع الوطني بقيادة الحزب الشيوعي السوداني، وقوى مهنية ونقابية.
ولكن للمفارقة أن حزب الأمة الإسلامي، الذي لاحظ شعبية الحزب الشيوعي الواسعة بين الجماهير، خصوصاً بعد تجاربها الفاشلة مع الأحزاب الإسلامية، وهي حليف خفي للنظام، إذ لا تطالب هذه الأحزاب بإسقاطه بل بتغيير الوجوه، كما أنها عملت دعاية سلبية ضد الحزب الشيوعي بين الجماهير، على اعتبار أن الشيوعيين سيغيرون من قيم السودانيين ودينهم، لأنهم لا يؤمنون بالدين.
لكن وعي الجماهير قد تغير، ووثقت بقيادة الحزب الشيوعي السوداني لها، وكذلك الحزب الشيوعي السوداني الذي جرب التحالفات، وأيقن أنه لا يمكن الوثوق بالأحزاب الإسلامية، سواء في القضايا العامة أو المحددة، فهو على عكس بعض الأحزاب اليسارية في الوطن العربي، التي ترى أنه لا بأس من التحالف مع الإسلاميين في القضايا التي عليها إجماع.
فالشيوعي السوداني قد اكتسب نضجاً أكبر، عبر خبراته النضالية الطويلة، بل إن معظم من طالهم الاعتقال والتنكيل، خلال الانتفاضة الحالية والانتفاضات السابقة، هم من صفوف الشيوعيين والنقابيين.
الآن، مع العنف المفرط، واستخدام الرصاص الحي ضد الجماهير، هل سيسقط النظام السوداني؟ إن الخبرة البشرية تثبت أن الشعوب تنتصر أخيراً، لكن المهم أن تحذر الأحزاب السياسية والشعب السوداني، من اختطاف الثورة من قبل القوى الانتهازية، وقوى الردة التي عانت منها الثورات العربية في العام 2011.
Osbohatw@gmail.com