نواصل الحديث عن الفلاسفة العظام الذين غيروا التاريخ على الأرض ومن هؤلاء ابن إسحق الكندى وهو يوسف يعقوب ابن إسحق الصباح الكنْدي، علامة ملقب بفيلسوف العرب، برع في الفيزياء والكيمياء والطب والرياضيات والفلك والموسيقى وعلم النفس والمنطق.
ويُعد الكندي أول الفلاسفة المتجولين المسلمين، وعمل جاهدًا على تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة، يعقوب ابن اسحق الكندي، وُلد في بداية القرن التاسع الميلادي في مدينة الكوفة في العراق والتي كانت تعد مهدًا للحضارة العربية.
أتمَّ فيها تعليمه الأولي ثم بدأَ رحلته جامعًا علوم عدة. اشتُهر الكندي وسطع اسمه بجميع العلوم في عصره، وكان قريبًا من الخلفاء العباسيين الذين عاصرهم وخاصة المعتصم الذي دعاه ليكون مربيًا لابنه.
وأبوه اسحق ابن الصباح، كان أميرًا على الكوفة في عصر خلافة المهدي والرشيد.
وفي مطلع القرن التاسع، وُلد يعقوب الكندي الذي نشأ في مدينة الكوفة وتلقى تعليمه الأولي فيها. وبعد موت والده، انتقل مع والدته الى مدينة البصرة حيث أتمّ تعليمه إلى أن قرر رحيله إلى بغداد ليكمل مسيرة تعليمه.
وفي بغداد سرعان ما أصبح مشهورا في دراسته، ونال اهتمام المأمون الذي فاز بالخلافة على أخيه عام 813.
وقد كان المأمون محبًا للمعرفة، فقد افتتح معهد «بيت الحكمة» وبنى به مكتبةً تعد من أعظم المكاتب منذ مكتبة الإسكندرية العظيمة.
قام المأمون بتعيين الكندي بصحبة الخوارزمي في معهد بيت الحكمة، وكانت مهمتهُ الرئيسة ترجمة أهم الكتب الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية.
وفي عام 833 توفي الخليفة المأمون وأتى الخليفة المعتصم، الذي بدوره أُعجب بالكندي واستدعاه ليكون مربيًا لولده أحمد. وبقيت علاقة العلّامة جيدة مع الخلفاء حتى قدوم الخليفة المتوكل عام847.
في عام 833 توفي الخليفة المأمون وأتى الخليفة المعتصم الذي بدوره أعجب بالكندي واستدعاه ليكون مربيًا لولده أحمد. سارت الأمور على نحوٍ جيد حتى قدوم المتوكل.
كان الوشاة ومن بينهم العالمان محمد وأحمد أبناء موسى بن شاكر عالم الفلك، يحاولون تشويه سمعة الكندي أمام الخليفة المتوكل، وحين نجحوا بالوصول إلى غايتهم، بعد أن تمكنوا من إثارة الخليفة المتوكل على الكندي، ضرب الخليفة الكندي وأباح مكتبته الضخمة وأعطى كتبه الثمينة لأبناء موسى.
بقي حال الكندي هذا حتى آخر أيام الخليفة المتوكل، ثم أعاد أبناء موسى للكندي كتبه بعد حادثة «نهر الجعفري» بعد ذلك انعزل الكندي عن محيط الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم.
وصل عدد مؤلفات الكندي إلى 241 كتابًا موزعًا على 17 مجالاً من مجالات المعرفة، غير أن الكثير من هذه المؤلفات فُقدَت ولم يبقَ من أعماله سوى 50 كتابًا.
كتب الفيلسوف أكثر من 20 كتابًا فلسفيًا تحدث فيها عن الطبيعيات وما فوق الطبيعيات والتوحيد وأوائل الأشياء المحسوسة والفاعلة والمنفعلة من الطبيعيات الأولى، والتدليل على التوافق بين اللاهوت الطبيعي والفلسفة.
وكتب الكندي أيضًا في المنطق، فقد عرض آراء بطليموس التي أوردها في كتابه المجسطي ومناقشتها، وتكلم أيضًا في البرهان المنطقي والأصوات الخمسة، وكتب رسالةً في الاحتراس من خدع السفسطائيين.
توسّع الكندي في الطب بشكلٍ كبيرٍ فقد كان له أكثر من خمسٍ وعشرين أطروحةً فيه، تحدث فيها عن الغذاء والدواء المهلك والأدوية المشفية من الروائح المؤذية وعلة نفث الدم وعضة الكَلب والأعراض الحادثة عن البلغم وفي وجع المعدة والنقرس وأقسام الحميات وعلاج الطحال، وله رسالةٌ في صنع الأطعمة من غير عناصرها وأخرى في كيفية الدماغ وثالثة في السموم وغيرها.
وله كتاب «رسالة في قدر منفعة صناعة الطب» الذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب والصيدلة.
وأدخل الكندي الأرقام الهندية إلى الشرق الأوسط، وألّف 12 كتابًا عن الحساب وتحدث عن تأليف الأعداد والتوحيد من جهة العدد والكمية المضافة والحيل العددية وعلم إضمارها.
أما في الكيمياء فقد أسس الكندي وجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى الكندي أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت، ونفى الكندي إمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة في رسالة سماها «كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة».
اقترح الكندي إضافة الوتر الخامس إلى العود، ووضع سلمًا موسيقيًا مازال يُستخدم في الموسيقى العربية مؤلفًا من اثنتي عشرة نوتة موسيقية. للكندي خمسة عشر أطروحة في الموسيقى، لم يبقَ منها سوى خمس فقط، وهو أول من أدخل كلمة «موسيقى» إلى اللغة العربية، ومنها انتقلت إلى الفارسية والتركية.
وتوفي الكندي عام 873 م عن عمر يناهز 70 عامًا في مدينة بغداد وحيدًا في عهد الخليفة المعتمد، وقيل إن سبب وفاته كان داءً أصاب الكندي بركبته لينتقل إلى رأسه ويؤدى إلى موته.
رئيس حزب الوفد