الحلقة الثالثة
لا شك أن تبنّي فصائل العمل السياسي الفلسطينية في قطاع غزة، لفكرة مسيرة العودة التي أطلقها شباب مستقلون غير حزبيين، أعطاهم الزخم المطلوب، وتم توظيفها لخدمة أغراضهم السياسية، وفي طليعتها فك الحصار ولذلك أطلقت عليها لجنة التنسيق الوطني الفصائلية « مسيرة العودة وفك الحصار» وتواصلت أسبوعياً بدءاً من 30/3/2018، وتعمقت أكثر بذكرى النكبة في 15 أيار 2018، لتتحول وتكون عنواناً لأهل غزة وتطلعاتهم، سواء للأغلبية الذين تمسكوا بحق العودة وأولوياتها، أو لأولئك الذين أعطوا الأولوية لفك الحصار وضرورته.
فصائل العمل السياسي في قطاع غزة وفي مقدمتهم حركة حماس، عملت على استثمار المسيرة التي بدت شكلاً جديداً متطوراً للعمل الجهادي النضالي، فإلى جانب الكفاح المسلح التقليدي، وخطف الطائرات، والعمليات الاستشهادية، وانتفاضة الحجارة، سجلت مسيرة العودة، باعتبارها إضافة كفاحية مستجدة وأسلوبا مدنيا جديدا، أربكت العدو الإسرائيلي ودفعته كي يعمل على مواجهتها بالإمكانات والأدوات والوسائل الاعتراضية لإحباط الأهداف الفلسطينية.
مظاهر الرد الإسرائيلي سار باتجاهات متعددة: أولها إحباط نقل الفكرة إلى الضفة والقدس، وثانيها إحباط تطوير المسيرات كي لا تقتحم الأسلاك الشائكة وعدم وصولها لعمق مناطق 48، وثالثها قطع الطريق على محاولات الالتحام من قبل شرائح فلسطينية أو إسرائيلية متضامنة من مناطق 48 مع المسيرات، ورابعها توجيه ضربات موجعة للمشاركين في المسيرات لزيادة عدد الإصابات والضحايا تعزيزاً للتوجه الذي يقول أن العدو لا ينفع معه سوى لغة الحديد والنار والعنف والعمل المسلح، وأن سلاح المقاومة المسلحة هو القادر على لجم العدو وإيلامه وهزيمته، أما العمل الجماهيري والحشد الشعبي فخسائره كبيرة غير مجدية، ذلك الهدف الذي يحاول العدو زرعه في نفوس الفلسطينيين لكبح جماح المشاركة الشعبية المدنية العارمة في مساقات النضال، واقتصاره على شرائح كفاحية عالية التضحية ولكنها محدودة العمل والفعل والتأثير، وإن كان نتائج عملها يكون عادة مصحوباً بالحضور الصاخب إعلامياً.
مسيرات العودة فكرة خلاقة، تم استثمارها سياسياً، قبل أن تنضج فعلياً، ولم تعد ذات جدوى لأنها بدت مشاركة فصائلية موسمية حققت أغراضاً بفتح النقاش حول فك الحصار الجزئي عن قطاع غزة، عبر تدخل الوسطاء وكان حصيلتها تدفق الدولارات لتغطية رواتب موظفي حماس عبر العدو الإسرائيلي وجهاز الشاباك – المخابرات، بهدف واضح وهو الاعتماد على الإسرائيليين لتسيير حياة غزة كما هو الوضع لدى حركة فتح في الضفة الفلسطينية.
ما حصل لدى حركة فتح أنها عجلت باستثمار نتائج الانتفاضة الأولى عام 1987، عبر اتفاق أوسلو 1993، أدركه الرئيس الراحل أبو عمار في مفاوضات كامب ديفيد 2000، ولذلك عمل على قلب الطاولة ضد العدو الإسرائيلي، ولكنه لم يُفلح ودفع حياته ثمناً لهذا الإدراك المتأخر، وما حصل لحركة فتح تُعيد حركة حماس المسار فيه والتمسك بخياره رغم ادعاءاتها التمسك بمفردات المقاومة اللفظية بدون محتوى جدي، فالدولارات المتدفقة، بمثابة رشوة الاستجابة للضغوط والارتقاء لمستوى التكيف، إنه ثمن السلطة وعلى حماس أن تدفع الثمن في القطاع، كما تدفعه فتح في الضفة دون القدس كي يبقى لها سلطة.