نواصل الحديث بصحبة الفليسوف «ابن رشد» والذى يرى أن لا تعارض بين الدين والفلسفة، ولكن هناك بالتأكيد طرقًا أخرى يمكن من خلالها الوصول لنفس الحقيقة المنشودة.. ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصى يتعلق بالشخص والقسم الثانى فيه من الإلهية ما فيه.
وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة. ويدعى ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استنادًا على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالى لا يمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هى الفلسفة، والتى ذكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكات فكرية عالية توعدوا بحفظها وإجراء دراسات جديدة فلسفية.
وكان ابن رشد مغرمًا بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء فى وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتى من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجمًا لم يكتشفه الفلكيون الأوائل.
وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطى تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيرًا جديدًا لنظرية رشدية جديدة سميت «اتحاد الكون النموذجي». ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: «من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك فى عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود فى الحقيقة».
ثم انطلق يقدم الانتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التى قدمها الفلكيون فى عصره. ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بغير الواضح والغامض، وقال بأنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكاً. وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علميًا لأشكال البقع الشمسية.
انطلق ابن رشد فى آرائه الأخلاقية من مذهبى أرسطو وأفلاطون، فقد اتفق مع أفلاطون أن الفضائل الأساسية الأربع هى (الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة)، لكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتى العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة (الحكماء والحراس والصناع)، وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية، التى هى المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على «الخاصة».
وقد قَصَرَ الخلود على عقل البشرية الجمعى الذى يغتنى ويتطور من جيل إلى آخر. وقد كان لهذا القول الأخير دورٌ كبير فى تطور الفكر المتحرِّر فى أوروبا فى العصرين الوسيط والحديث. وأكد ابن رشد أن الفضيلة لا تتم إلا فى المجتمع، وشدَّد على دور التربية الخلقية، وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون. وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا فى رسم ملامح الأجيال القادمة، فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعى فى إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية.
و«للحديث بقية»
رئيس حزب الوفد