يوم الاثنين الماضى، تابعت وحضرت استقبال المستشار بهاء الدين أبوشقة للسيد «مصطفى بوبال» الوزير المفوض، والمستشار السياسى للسفارة الأمريكية فى مصر، بمناسبة الدعوة التى وجهها رئيس الوفد للرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لحضور الاحتفال بمئوية حزب الوفد، ومئوية ثورة 1919، ولفت انتباهى أن الوزير المفوض قال لرئيس الوفد.. «نحن نعرف أن تاريخ الوفد هو مرادف وانعكاس حقيقى لتاريخ مصر، وأنا أقول «الوفد» وليس «حزب الوفد» لأننى عرفت أن الوفديين يحبذون الحديث عن الوفد غير مسبوق بكلمة حزب لأن الوفد «كيان» يمثل الأمة المصرية وهو أكبر من حزب، وأنا شخصياً أعتقد أن هناك شعارين فى غاية الأهمية، لم يتغيرا خلال المائة عام الماضية، وهما علامة أفخم سيارات العالم «الرولزرايس» وشعار حزب الوفد العريق وهو «الهلال والصليب».
هذا هو «الوفد» الذى يعرفه العالم، ويعرفه ساسة العالم، وقياداتها، فهو ليس مجرد مؤسسة حزبية، يديرها أشخاص يبحثون عن سلطة، أو منصب، ولكنه كما يُعرفه التاريخ، تراث طويل من الكفاح والنضال، من أجل ترسيخ مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة، ولذلك كان واضحاً، فى الحملة الانتخابية للمستشار بهاء أبوشقة، خلال خوضه انتخابات رئاسة الحزب منذ عشرة أشهر، أنه لا يعرض برنامجاً مكتوباً، لأنه كان يخوض معركة الحفاظ على مبادئ وهوية حزب الوفد، وهذا هو الهدف المهم للوفديين، الذين تعرضوا لعواصف تغيير الهوية كثيراً ولكنهم صمدوا، وقاوموا رياح التغيير السلبى بكل ثبات، ولذلك حصل «أبوشقة» على أغلبية كاسحة، لأنه تبنى خطاباً وفدياً خالصاً، لا يحمل حداثة وهمية، ولم يعمل بفريق يدعى الانتماء للوفد، ولكنهم وفديون تربوا داخل هذا الحزب الكبير، ووهبوا أنفسهم لحمايته من الطامعين فيه!
هذا هو الوفد، الذى ثار بسببه «عصام العريان» يوماً، حسداً، وحقداً، وكُرهاً، عندما قام بعض الصبية المنتمين لتنظيم الإخوان، وقت وجوده فى السلطة، بالاعتداء على مقر حزب الوفد، عام 2013، وألقوا عليه العبوات الحارقة، وحطموا مقر صحيفته المُناضلة، فقد خرج «العريان» على وسائل الإعلام مندهشاً وقائلاً.. «هو فيه إيه؟ الإخوان اتحرق لهم 44 مقر محدش اتكلم ولما الوفد اترمى عليه شوية «بمب» الدنيا تتقلب جوه مصر وبرة مصر، ونقرأ بيانات إدانة دولية؟!»…طبعاً العريان لم يفهم أن الدنيا لم تنقلب من فراع، ولكن المجتمع الدولى انزعج من اعتداء شبان ينتمون لتنظيم سياسى عنيف، على صرح الحريات والديمقراطية الأهم فى منطقة الشرق الوسط، وأحد أهم وأقدم أحزاب العالم.
الوفد كبير، ولهذا سيكون احتفاله بمئويته كبيراً أيضاً، ولذلك أعلن رئيسه دعوة رئيس الجمهورية لحضور الاحتفال بمئوية ثورة 19 وحزب الوفد، فالوفد هو أهم الأعمدة الحزبية فى الدولة المصرية، وهو أيضاً البناء الوحيد الباقى فى أرض السياسة التى تعرضت لعوامل تعرية كثيرة عبر 55 عاماً من الانقباض والتمدد والصعود والهبوط، ويُحسب لتاريخ مصر الكبيرـ ولشعبه العظيم ـ أنه أنتج حزباً بهذه المواصفات النادرة التى لا تتكرر، فهو حزب الجميع، الدولة والمواطنين والعمال ورجال الأعمال والفلاحين وكبار الملاك والطلبة وأبناء الطبقة الوسطى والفقراء والأغنياء، فهو مرادف للوطن بكل تفاصيله، ولذلك كانت دعوة رئيس الجمهورية لحضور الاحتفال هى دعوة تأكيد لانتماء هذا الحزب الكبير لهذا الوطن وترابه.
أما دعوة رئيس الوفد، لرئيس الولايات المتحدة، لحضور الاحتفال، فهى ترجع إلى أن الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون أعلن ما سمى بمبادئ «ويلسون» الأربعة عشر، وتحديداً يوم 8 يناير 1918، والتى ركز فيها على 14 مبدأً للسلم الدولى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولكنه أعلن من ضمنها أيضاً، مبدأ حق الشعوب فى تقرير مصيرها، وهو المبدأ الذى دعا سعد زغلول مؤسس الوفد، للمطالبة باستقلال مصر عن بريطانيا، وما تبع ذلك من اندلاع الثورة ضد المحتل، فالدعوة لم تأتِ من فراغ، ولكنها جاءت مُنطلقة من واقعة تاريخية مهمة، ودعوة الرئيس الأمريكى ليست الوحيدة، لأن الوفد سيدعو قيادات الأحزاب المهمة فى العالم لمشاركة الحزب الأقدم فى مصر بذكرى تأسيسه المئوية.
الخلاصة، إن… أحزابا كثيرة اختفت وبقى الوفد.. تيارات كثيرة سقطت وبقى الوفد.. مات حكام حاربوا الوفد وعُزل بعضهم وبقى الوفد.. صعدت سلطة وهبطت غيرها وبقى الوفد.. بقى لأنه كبير.. تهزه الضربات العنيفة ولكنها لا تهدمه، ولا تكسر ظهره، لأن هذا الظهر لم ينحنِ يوماً، فهو متماسك بمقدار عمره البالغ مائة عام من العمل والجهد والتضحية والكفاح.
tarektohamy@alwafd.org