ما زلنا بصحبة الفيلسوف ابن حزم الأندلسى الذى غير التريخ على وجه الأرض، ونتحدث اليوم فى الردود على ابن حزم.
وقد أفرط السبكى الابن كعادته فى الرد، فقال عن كتاب الفصل لابن حزم وكتابه هذا الملل والنحل من شر الكتب وما برح المحققون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه لما فيه من الازدراء بأهل السنة ونسبة الأقوال السخيفة إليهم من غير تثبت عنهم والتشنيع عليهم بما لم يقولوه، وقد أفرط فى كتابه هذا فى الغض من شيخ السنة أبى الحسن الأشعرى، وكاد يصرح بتكفيره فى غير موضع وصرح بنسبته إلى البدعة فى كثير من المواضع، وما هو عنده إلا كواحد من المبتدعة والذى تحققته بعد البحث الشديد أنه لا يعرفه ولا بلغه بالنقل الصحيح معتقده وإنما بلغته عنه أقوال نقلها الكاذبون عليه فصدقها بمجرد سماعه إياها ثم لم يكتف بالتصديق بمجرد السماع حتى أخذ يشنع وقد قام أبوالوليد الباجى وغيره على ابن حزم بهذا السبب وغيره، وأخرج من بلده وجرى له ما هو مشهور فى الكتب من غسل كتبه وغيره ومما يعرفك ما قلت لك من جرأته وتسرعه هذا النقل الذى عزاه إلى الأشعرى ولا خلاف عند الأشعرى وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم مخلد فى النار، وإن عرف بقلبه وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد، ولا تغنى عنه شيئاً، ولا يختلف مسلمان فى ذلك وهل الفائت عليه نفس الإيمان لكون النطق ركناً منه أو شرطه فيه البحث المعروف للأشاعرة وسيأتى وأجمعوا على أن الإسلام زائل عنه فقول ابن حزم فى النقل عنهم أنه مسلم خطأ عليهم صادر عن أمرين عن عدم المعرفة بعقائدهم وعن عدم التفرقة بين الإيمان والإسلام.
وممن رد على ابن حزم الحافظ الإمام أبوبكر محمد بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافرى الشاطبى حدث عن عمه طاهر الحافظ وأبى على الغسانى وأجاز له أبوالوليد الباجى وكان حافظاً متقناً ضابطاً عارفاً بالأدب وفنونه حدث بقرطبة وخلف شيخه أبا على فى الإفادة وله رد على ابن حزم مات سنة خمس عشرة وخمسمائة عن اثنتين وأربعين سنة.
ومن أكثر المهتمين بفقه ابن حزم وتراثه من المعاصرين الشيخ أبوتراب الظاهرى والشيخ أبوعبد الرحمن بن عقيل الظاهرى، وكذلك الشيخ محمد أبوزهرة، والأمام الألبانى والشيخ مقبل بن هادى الوادعى وكذلك الأديب سعيد الأفغانى وغيرهم كثير جداً.
كما يشير الفيلسوف العربى المعاصر أبويعرب المرزوقى: هذا المذهب الأسمى فى الفلسفة سيتطور لاحقاً على يدى ابن تيمية وابن خلدون وليشكل بذرة نهضة إسلامية لم نشهدها بعد، وفيلسوف عربى آخر هو محمد عابد الجابرى يضع ابن حزم ركناً أساسياً فى رؤيته لمشروع النهضة العربية الذى لم يتم وإن كانت الرؤية تختلف عن رؤية المرزوقى فهى عند الجابرى تبدأ من ابن حزم وابن باجة فابن طفيل إلى ابن رشد والشاطبى وابن خلدون.
إن رؤية ابن حزم الفلسفية التجديدية تجعله ركناً أساسياً فى أى قراءة للتراث العربى الإسلامى رغم أن مدرسته الفقهية رفضت أشد الرفض من قبل المدرسة الإسلامية التقليدية التى اعتمدت المذاهب الأربعة للسنة وأغلقت الباب أمام أى تعديل أو اجتهاد. وقد كان ابن حزم من رواد النقد الإسلامى لليهودية والنصرانية، وأشار الدكتور أحمد عبدالمقصود الجندى إلى أسبقيته بقوله.
وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد