مصر دولة مركزية قديمة.. وهذه المركزية بقدر حفاظها على تماسك الدولة فى حقب تاريخية مختلفة وبعض الظروف الاستثنائية، إلا أنها كانت سببا أساسيا فى بيروقراطية الجهاز الإدارى للدولة وانتشار الفساد بين العاملين به، إلى حد أنه بات أمرًا يمثل اشكالية تواجه معظم نظم الحكم فى مصر منذ عقود، ولم يجد أحد لها حلاً رغم التجارب المتعددة فى اختيار المسئولين التنفيذيين ما بين عسكريين أو أكاديميين ومدنيين وغيرها من الكفاءات التى أثبتت نجاحا فى القطاع الخاص، ثم نفاجأ بفشلها وتحطم ارادتها أمام بيروقراطية الجهاز الإدارى للدولة.
أعتقد أن بداية فك هذا اللغز كان من لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى مع محمد الزملوط محافظ الوادى الجديد والقيادات التنفيذية للمحافظة وعدد من أبناء الوادى الجديد وفى حضور رئيس الوزراء والمجموعة الوزارية التى شاركت فى اللقاء.. ومن وجهة نظرى أن هذا اللقاء من أهم اللقاءات التى عقدها الرئيس السيسى على المستوى الداخلى، وأذكر أننى ذكرت أكثر من مرة أن مواجهة البيروقراطية التى تشل حركة الحكومة والتنمية بشكل عام مرتبطة بشكل مباشر بالصف الثانى للوزراء والمحافظين.. أى بالمسئولين التنفيذيين الذين يمثلون حلقة الاتصال بين الحكومة والمواطنين، وأن اختيار هؤلاء المسئولين سواء كانوا وكلاء وزارة أو رؤساء هيئات وقطاعات وشركات ومدن بعناية وشفافية هو بداية الاصلاح الإدارى الحقيقى فى مصر ومواجهة ظاهرة البيروقراطية والفساد فى الجهاز الإدارى للدولة التى أصبحت لا تخفى على أحد.
من هنا تأتى أهمية لقاء رئيس الجمهورية مع التنفيذيين بشكل مباشر بعيدا عن الأطر التقليدية التى كانت متبعة سابقًا وتقصر عند تقرير أو لقاء مع المسئول كم أن هذه اللقاءات تضع صانع القرار على الموقف الحقيقى للواقع، والأهم أن هذه اللقاءات مع رئيس الدولة تعطى التنفيذيين حافزًا حقيقيًا للعمل والاجتهاد لتحقيق طموحاتهم واثبات كفاءتهم من خلال تحقيق وانجاز ما تم الاتفاق عليه أمام كافة المسئولين دون تخاذل أو تكاسل فى منافسة حقيقية لانجاز كل المشروعات المتفق عليها كل فى اختصاصه تحت أعين الأجهزة الرقابية التى تعمل بدورها لانجاز مهامها.
صحيح أن محافظة الوادى الجديد تحتل الصدارة من حيث المساحة بين المحافظات وتقارب نصف مساحة مصر، وهى محافظة بكر ويمكن أن تشكل نقلة فى التنمية فى مصر وتحديدًا من خلال الزراعة وجذب شريحة سكانية جديدة، خاصة وأن عدد سكانها حوال ربع مليون نسمة ولا يضاهى أحد الأحياء الصغيرة فى محافظة الجيزة، اضافة إلى أن هذه المحافظة البكر تمثل وجهة سياحية مهمة وموارد طبيعية لم تستغل بعد.. أى تضم كل عناصر ومقومات التنمية الحقيقية التى تضيف إلى الاقتصاد الوطنى والنهضة الشاملة التى تشهدها مصر.. لذلك يجب متابعة خطط التنمية فى هذه المحافظة أولاً بأول لانجاز ما تم الاتفاق عليه وتحديدًا من جهاز الرقابة الإدارية برئاسة الوزير شريف سيف الدين الذى حقق نقلة نوعية فى هذا الجهاز الذى أصبح يشكل أهم مقومات النجاح والتحول فى مصر بسبب ضرباته المتلاحقة للفساد فى كل بؤره وعلى كل المستويات دون محاباة أو استثناء أو ارتعاش.
أتمنى تعميم هذه التجربة واستمرار لقاءات الرئيس السيسى مع التنفيذيين بالتوازى مع ما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية لأنه كفيل بإعادة بناء منظومة الجهاز الإدارى للدولة خلال فترة وجيزة.
نائب رئيس الوفد