نون والقلم

محمود زاهر يكتب: معركة البقاء!

 شهدت «صناعة الصحافة» في العالم تحولات كبيرة خلال العقود الثلاثة الماضية، لكنها في الأعوام الأخيرة سجلت تراجعًا كارثيًا ملحوظًا، سواء أكان في المبيعات والتوزيع، أم على مستوى موارد الإعلانات.

قبل سنوات وبسبب التكلفة العالية في الورق والأحبار والطباعة والأجور، اضطرت صحف عريقة، مثل النيويورك تايمز والأبزرفر والإندبنت إلى إيقاف نسخها الورقية والتحول إلى الإلكترونية.

الأمر نفسه تكرر مع صحيفة الحياة العريقة، التي أغلقت مكتبها في لبنان بعد توقف طبعتها الورقية هناك نتيجة «أسباب مالية»، وإصدار النسخة الدولية عبر الإنترنت فقط.. وقبلها توقفت جريدة السفير عن الصدور نهاية عام 2016 جراء مصاعب مالية بعد 42 عامًا من تأسيسها.

منذ أيام قررت إدارة جريدة المستقبل اللبنانية رسميًا، وقف إصدار النسخة الورقية من الصحيفة بدءًا من أول فبراير 2019، لتتحول إلى جريدة «رقمية» بالكامل.. ما يعكس بشكل واضح الضائقة الاقتصادية لدى الإعلام في مجمله ـ مكتوبًا كان، أم مرئيًا أو حتى مسموعًا ـ حتى أصبحت الصحافة الورقية في حاجة إلى ما يشبه المعجزة، في معركة الصمود من أجل البقاء.

على مدار أعوام، نعيش نقاشات واسعة وجدلًا مستمرًا حول مستقبل الصحافة الورقية فى عالمنا العربي، خصوصًا أن المسألة حُسمت منذ أعوام في الغرب عمومًا، حيث يوجد ما يشبه الإجماع، على نهاية عصر الصحافة الورقية.

لكن.. يظل الجدل مستمرًا ونابعًا بالأساس من معطيات لا علاقة لها بالواقع، حيث نجد من يتحدث عن ضعف معدلات انتشار الإنترنت، وتزايد الاعتماد على الصحافة الورقية، التي يرى آخرون أيضًا أنها لا تزال تمتلك فرصة لتطوير نفسها والاستمرار في المنافسة لسنوات مقبلة، بينما يرى فريق ثالث أنها تعيش «مرحلة انتقالية» تحتفظ فيها بدورها ووجودها مع «زخم» العالم الرقمي!

نتصور أن استمرار الصحافة الورقية في العالم العربي بشكل عام، وفي مصر على وجه الخصوص، أمر يصعب توقعه، حيث بات مصيرها «الوجودي» مهددًا بشكل لم يسبق له مثيل، بسبب انخفاض المبيعات والاشتراكات وانصراف المعلنين، وتحول غالبية القراء إلى العالم الرقمي.

الصحافة الورقة الآن أصبحت في حالة موت سريري، بعد سنوات من دخولها إلى غرفة العناية الفائقة، ولم يعد يجدي نفعًا انتظار تشييعها ببكائيات حادة، حزنًا على جهودها التي بدأت منذ أكثر من قرن.

نعتقد أنه يجب إعادة النظر في حال الصحافة الورقية ـ إذا أريد لها البقاء لفترة أطول ـ من خلال إيجاد حلول غير تقليدية، مع ضرورة النظر في المحتوى، وتغيير القوالب الجامدة، والتعبير الحقيقي عن مشاكل الناس، لا أن تكون صوتًا واحدًا يعبر عن توجهات السلطة.

يجب أن يحدث تغيير جذري في «المحتوى»، بحيث تنتقل الصحف من الثرثرة والتفاهات والسطحية، إلى صناعة رأي عام، بما يناسب اهتمامات الناس، ومواكبة عصر المعلومات الذي نعيشه، بتغيراته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية.

ولكي يتحقق ذلك، فإن الفترة الحالية تتطلب تبني أساليب مالية وإدارية مختلفة، وتقليل النفقات والمصروفات، بما يهيئها تدريجيًا للدخول إلى عالم التقنية الذي حطم الأسوار والقيود، واجتاز عامل الزمن، لكن ذلك يظل مشروطًا بالتسلل إلى عقل القارئ واستعادة ثقته، وبالطبع رفع سقف الحرية وتقليل عصا الرقابة.

إذن، يبقى سؤال مطروح بقوة: هل من مستقبل لهذه الصحف الورقية يبرر بقاءها على قيد الحياة، وطلب الدعم لمساعدتها على تخطي عقبات المرحلة الحالية، أم أن المستقبل فقط لمنصات السوشيال ميديا والصحافة الإلكترونية؟

Zaher3333@gmail.com

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى