ليس الموضوع موضوع حضور سورية القمة العربية الاقتصادية المتوقع انعقادها بعد ايّام في بيروت. الموضوع الذي يفترض ان يشغل العرب في القمّة وقبل القمّة ما العمل بسورية، رجل المنطقة المريض منذ سنوات عدّة، والتي لم تستطع يوما حلّ أي مشكلة داخلية من دون حمام دمّ أو الهرب الى خارج الحدود، خصوصاً الى لبنان؟
من المستبعد توجيه دعوة لبنانية الى النظام السوري لحضور القمة الاقتصادية، لا لشيء سوى لانّ من يوجه الدعوات الى القمّة هو الجامعة العربية حيث عضوية سورية معلّقة منذ فترة طويلة بعد لجوء بشّار الأسد الى شنّ حرب على شعبه ابتداء من مارس 2011 عندما بدأت تظهر في دمشق ودرعا كتابات على الجدران من نوع «الشعب يريد تغيير النظام».
يحتاج كتابة تاريخ الثورة السورية التي بدأت قبل ما يزيد على ثماني سنوات الى مجلّدات عدّة. لا يتعلّق الامر بالحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري الباحث عن حدّ ادنى من الكرامة على يد نظام لا يؤمن الّا بلغة إلغاء الآخر. ثمة حاجة الى مجلدات لعرض تاريخ النظام الذي أقامه حافظ الأسد في العام 1970 والذي اسّس له الانقلاب البعثي في الثامن مارس 1963 ثم الانقلاب الآخر الذي قاده الضباط العلويّون، بغية التخلّص من رئيس دولة ساذج اسمه امين الحافظ، في 23 فبراير 1963.
ثمة حاجة الى مجلّد، على الاقلّ، لعرض الدور الذي لعبه الايراني والروسي في الحرب على الشعب السوري وذلك بغية إيصال سورية الى وضع أصبحت فيه مناطق نفوذ لخمس قوى على الاقل. منطقة نفوذ إيرانية وأخرى روسية، ومناطق نفوذ لكل من اميركا، التي أعلنت عن نيتها الانسحاب من شرق الفرات من دون ان تنفّذ هذا الانسحاب، وتركيا وإسرائيل.
تبدو إسرائيل مصرّة اكثر من أي وقت على ان تكون على دراية تامة بما يدور في الجنوب السوري وذلك بعدما اعتبرت قضية ضمّها للجولان قضيّة في حكم المنتهية. أمّا تركيا، فتبدو اكثر من ايّ وقت على استعداد لاستعادة ما تعتبره أراضي تابعة لها حرمتها منها المعاهدات التي وقعتها في السنوات التي تلت انتهاء الحرب العالمية الاولى وانهيار الدولة العثمانية.
في مناسبة انعقاد القمّة الاقتصادية العربية في بيروت، يتبيّن اكثر كم هناك حاجة الى إعادة دراسة العلاقة العميقة التي اقامها النظام السوري مع النظام الايراني منذ العام 1979، وهي علاقة اختلفت بعض الشيء منذ وفاة حافظ الأسد في منتصف السنة 2000. اختلفت هذه العلاقة شكلا وليس في الاساس في المرحلة الأخيرة من سنوات مرض الأسد الاب وتمكنه من توريث نجله بشّار الذي اصبح في الواجهة فجأة بعد وفاة شقيقه باسل في حادث سيّارة في العام 1994.
صحيح ان حافظ الأسد امتلك ما يكفي من الدهاء لاقامة توازن، اقلّه ظاهرا، في العلاقة بين العرب عموما، خصوصا اهل الخليج، من جهة وايران من جهة أخرى، لكنّ الصحيح ايضا انه انحاز منذ البداية وفي العمق الى ايران. تكمن اهمّية حافظ الأسد في احتفاظه بهامش للمناورة في العلاقة مع ايران، في حين ان مثل هذا الهامش انتفى مع توريث بشّار الذي لم يستطع في ايّ وقت التمييز بين مصالح سورية ومصالح ايران. يظلّ الدليل الاهمّ على ذلك ما كشفته المحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005.
اتى الادعاء العام بما يزيد على ثلاثة آلاف دليل على تورط «حزب الله»، أي ايران، والنظام السوري في تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه. اظهر الادعاء بكل بساطة ان عملية الاغتيال كانت عملية مشتركة، بما يزيل ادنى شك في امكان وجود أي تمايز بين النظامين السوري والإيراني منذ خلف بشّار والده…
اعتقد الراحل ياسر عرفات في العام 1979، انّ نجاح «الثورة الإسلامية» في ايران سيصبّ في مصلحته. لديه تصريح مشهور يقول ان ما حصل في ايران «فكّ الحصار» الذي كان يتعرّض له الفلسطينيون. كان يقصد بذلك الحصار العربي الذي كان يعتبر «أبو عمّار» انه يتعرّض له والذي جاءت «الثورة» الايرانية لتنقذه منه بعد ذهاب أنور السادات الى القدس وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. لكنّ الزعيم الفلسطيني ادرك مباشرة لدى احتكاكه بآية الله الخميني في طهران ان الامر ليس كذلك وان ايران الجديدة ليست في وارد التنسيق معه بمقدار ما ان المطلوب ان يضع نفسه في تصرّفها لا اكثر.
جاءت الحرب العراقية – الايرانية التي اندلعت في سبتمبر 1980 لتوفر فرصة لا تعوّض لحافظ الأسد كي يكرس الحلف الجديد مع «الجمهورية الإسلامية» في ايران. فبعد اقلّ من شهرين على اندلاع تلك الحرب، انعقدت قمة عربية اقتصادية في عمّان. كان ذلك في نوفمبر 1980.
كانت ردّ فعل حافظ الأسد على القمّة، وهي القمّة العربية الاولى من نوعها، حشد قوات على الحدود مع الأردن لممارسة ضغوط على الملك حسين الذي انحاز وقتذاك الى العراق ضدّ ايران بشكل علني. اكثر من ذلك، قاطع الأسد الاب القمّة وجرّ معه الجزائر وليبيا واليمن الجنوبي ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. دفع الموقف السوري العاهل الأردني الراحل الى افتتاح القمّة بقوله: «السلاح العربي لا يوجّه الى ايّ بلد عربي، ولا يناصر العربي طرفا آخر ضد شقيقه».
تحصد سورية الآن ما زرعه الاب والابن في الوقت ذاته. تحتاج، في اقلّ تقدير، الى نحو 500 مليار لاعادة اعمارها. اذا كان من فائدة لايّ قمّة اقتصادية عربية، فهذه الفائدة تكمن في كيفية معالجة النتائج التي ادّت اليها الحرب على الشعب السوري وكيف التخلّص من نظام لا فائدة منه باستثناء إلحاق مزيد من الضرر ليس بسورية وحدها، بل بالمنطقة كلّها. لا يمكن لمريض ان يعالج نفسه وان يلقي محاضرات في العفّة والعروبة و«المقاومة» و«الممانعة».
لا شكّ ان الشرق الاوسط في وضع لا يحسد عليه. ما العمل بسورية؟ مثل هذا السؤال تحوّل الى معضلة، خصوصا في غياب أي طرف على استعداد للاستثمار في إعادة اعمار هذا البلد في ظلّ الوضع الراهن وفي ظلّ نظام لا مفرّ من متابعة تصرفاته عن كثب ولكن من دون أي أوهام كبيرة.
فمن قاطع قمّة عمان في العام 1980 تضامناً مع ايران في حربها مع العراق، لا يحقّ له في العام 2019 طرح أسئلة عن الأسباب التي أوصلت سورية الى ما وصلت اليه. الأسباب معروفة ولم تعد خافية على احد. في مقدّم هذه الأسباب ان النظام السوري عاش دائما على سياسة واحدة تختزلها كلمة واحدة هي الابتزاز. هذه الكلمة تربط بين قمة عمّان في 1980 وقمة بيروت في 2019.