الطيران المدنى، قطاع تختلف طبيعته عن أى قطاع آخر لا لشىء سوى ارتباطه المباشر بالأمن القومى لمصرنا الحبيبة، وكلمة طيران مدنى تجعلك تتخيل أنك تتعامل مع قطاع عادى من السهل التعامل مع مفرداته.. ولكن الحقيقة الوحيدة الباقية أنه قطاع حساس جدًا ودقيق من حيث استراتيجياته وأمنه وأمانه واقتصاديات العمل فيه، فهو يتعلق بصناعة من أدق وأخطر الصناعات، وهى صناعة النقل الجوى، ومن حيث الاستثمارات الهائلة بالمليارات لبناء وتحديث المطارات الدولية والمحلية، وشراء الطائرات والمعدات، فإن ثمن شراء طائرة واحدة يفوق الاستثمارات المطلوبة لعدة مصانع، وهنا تكمن صعوبة قيادة هذا القطاع الحيوى والوطنى، لإن العائد المباشر على رأس المال المستثمر يكون عادة منخفضاً بالنسبة لأى مجال آخر، ولكن العائد غير المباشر على باقى قطاعات الدولة كبير جدًا وفى كافة المجالات.
فصناعة النقل الجوى لا تحقق الأرباح الكبيرة أو تكلفة رأس المال، حيث تحقق 2% على الأكثر، فى مقابل صناعات أخرى تحقق نحو 8% عائدًا للاستثمار فى مصر.
ومطاراتنا الدولية هى عبارة عن حدود لمصر يجب حمايتها تمامًا ومراعاة اليقظة الدائمة لتأمينها، وأن أكثر من 80% من حركة المسافرين الدولية تتم عن طريق هذه المطارات، ولا أحد يستطيع أن ينكر أنه ليس هناك أخطاء أو ثغرات فلا توجد نسبة 100% فى أى نظام أمنى فى العالم، ولكننا نؤكد أن لدينا منظومة أمنية متكاملة بها عناصر بشرية مدربة وأجهزة على أعلى كفاءة، تلك المنظومة تتطابق مع المعايير والتشريعات والقوانين الدولية الصادرة من منظمة الطيران «الايكاو» العالمية.
فى حوار «الوفد» مع اللواء أحمد جنينة رئيس القابضة للمطارات والملاحة الجوية المسئول عن المطارات المصرية كشفت الأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل إن هناك رغبة عارمة لدى القائمين على هذا الملف لتحقيق إنجازات غير مسبوقة يسابقون بها الزمن ويرفعون بها شأن هذا القطاع، ويؤكدان للجميع إن الأمر عندما يتعلق ببناء الوطن وتنميته فإن له رجالاً قادرين أن يحققوا ذلك.. وهى فلسفة من السهل عليك أن تفهمها عندما تقترب من قائد مثل الفريق يونس المصرى وزير الطيران.. فمهما حقق من نجاح فهو يرى هذا النجاح منقوصاً، وما زال فى إمكانه وإمكان من تحت لوائه من قيادات وعاملين تقديم الأفضل والأحسن وأن المسئول فى وزارته الذى يستشعر فى حديثه أو عينه أنه قدم أقصى ما لديه ولم يعد قادراً على تقديم المستحيل فى سباق الدولة مع الزمن من أجل البناء والتنمية المستدامة التى يسعى لها الوطن تحت مظلة الرئيس السيسى.. فهذا المسئول لا يستحق أن يستكمل معه المسيرة حتى ولو كان هو نفسه يونس المصرى.. قولاً واحداً يقوله ولا يجدال فيه «لو أنا يونس المصرى شعرت أنى قدمت أقصى ما لدى الأفضل أن اتنحنى وأترك المكان لمن هو قادرا على تقديم الأفضل».. سياسة صعبة تجعله وكل من يعمل معه دائمى اليقظة.. الراحة لا تعرف طريق لهم لأنهم يسعون أن يضعوا هذا الوطن فى مكانة لا يتخيلها أحد ولكن يقرؤها كل من اقترب من الرئيس عبدالفتاح السيسى وعمل تحت لوائه.. تلك هى المفردات أيضا التى دار حوار الطيار أحمد جنينة فيها، فرغم أن الأرقام تشير إلى إنجاز غير مسبوق، إلا أنه يرى أن «المصرى» يطلب منهم الأكثر والأكثر وأنه مازال فى الإمكان أفضل مليون مرة مما هو متحقق بالفعل على أرض الواقع لأن التحديات جمة والمشاكل مترابطة ومتأزمة.
يا سادة.. من منطلق خبرتى المتواضعة فى الطيران المدنى والتى تجاوزت 25 عاماً فإن تلك القيادات تحرث فى الماء.. نعم تحرث فى الماء فما يتحقق من أرباح مهما بلغ من مليارات لا يساوى بناء مطار واحد ولا يغطى تكلفة تغيير وتطوير أنظمة اتصال ورادارات ومراقبة جوية تفطى سماء الوطن.. كما أن تلك المليارات مطلوب ضعفها مئات المرات حتى تستطيع الوفاء بمتطلبات المنظومة من عمالة تحتاج التدريب والتطوير المستمر وتحسين المعيشة.. بخلاف أسطول طائرات يحتاج التحديث والتطوير لكى يستطيع أن يستمر فى سوق المنافسة.. وهو ما يحتاج أيضا مئات المليارات التى لا تتحقق على الأرض ولكن تصبح قروضاً وديوناً تطوق رقبة المسئول عن هذا الملف.. مع منظومات أمنية تحتاج التطوير والتحديث طول الوقت وخاصة إذا ما تعلق الأمر ومؤامرات تحاك ضد الوطن وأصاب الطيران جزءاً منها.. ومنظمات طيران عربية ودولية وأجنبية تتشابك مصالحها وتسعى أن تأخذ منك لا أن تعطى لك.. ومنافسة شرسة داخلياً وخارجياً من شركات طيران خاصة تعمل على أرض الوطن وشركات طيران أجنبية وعربية عينها على الراكب المصرى فمصر سوق يعنى لشركات الطيران 100 مليون راكب تتجة الأنظار إليهم لخطفهم.. وما بين الوقت والآخر تسعى مصالح تلك الدول والمنظمات والشركات تطالب «بالسموات المفتوحة» وتستخدم كل ما لديها من كروت ضغط وعملاء لها داخل الوطن يعملون لصالحهم لا لصالح الوطن.. ومؤامرات داخلية وخارجية على القطاع تستهدف استنزافه.
يا سادة.. منظومة صعبة ومتشابكة ومترامية الأطراف داخلياً وخارجياً تجعلك تستشعر الشفقة على من يتولى هذا الملف.. عن كم التحديات التى تواجه المسئول الأول عن الطيران المدنى فى مصر.. وتجد الإنجازات التى تتحقق لا تساوى نقطة فى بحر المطلوب من تلك القيادة على كافة المستويات.. وأولها بالطبع العنصر البشرى الذى يسعى «المصرى» لأشعاره بالأمان المادى ليصل به إلى الأمان النفسى.. فتجد المصرى دائم السعى لأن يعطى هذا العنصر ما يكفيه.. يقر له ما منحه سابقوه من منح فى مناسبات رغم أن القطاع فى أمس الحاجة إليها ولا يحرمه من أن يتمتع بأرباح يراها العامل ثمرة جهده واعتاد الحصول عليها حتى فى ظل نزيف الخسائر منذ يناير الأسود.. ولكنه يجهل كم المليارات المطلوبة ليستكمل هذا القطاع مسيرته فى ظل تحديات ومؤامرات لا يعلمها إلا من قبض نارها.
وهذا يا سادة ما يجعلنى دائمًا وأبدًا أطالب الحكومة والبرلمان أن ينتصرا ويقفا فى صف الطيران المدنى لأنه وحده لا يستطيع فمهما حقق من أرباح فهى بالورقة والقلم وفى اقتصاديات الطيران لا تساوى كم المليارات المطلوبة ليستكمل هذا القطاع مسيرته فى ظل تحديات شرسة ومنها تعثر الشركة القابضة لمصر للطيران، وضرورة تحديث أسطولها وتطوير هيئة الأرصاد وزيادة النفقات التى تتضاعف بين اللحظة والأخرى.
همسة طائرة.. تحية لكل مخلص وطنى بالطيران المدنى علم بقضاياه ومشاكله وخباياه، ورضى أن يقتحم لُب المشاكل المتأزمة فى القطاع، من أجل وطن عشقناه ويعيش فينا أكثر مما نعيش فيه.. وللمرة المليون يا حكومة الأرقام فى الطيران المدنى دليل على نجاح أبنائه ولكنها ليست كافية لتحديات واقعهم الأليم.. فهل من مستجيب؟