مثلما لا يحق للرئيس الفلسطيني سلطة المس بالمجلس التشريعي، لا يملك المجلس التشريعي السلطة أو الحق أو وسيلة المس بشرعية الرئيس ومكانته، فكلاهما تقوم شرعيته على شرعية الأخر، والمجلس التشريعي لا يُعقد أصلاً إلا بقرار من قبل الرئيس وهذا سبب تعطيل جلساته ووقف انعقاده منذ الانقلاب عام 2007 حتى اليوم لأن الرئيس لم يدعو المجلس للانعقاد، وبقيت جلساته معطلة، فكيف له أن ينعقد الأن ويتخذ قرار بعدم أهلية الرئيس، فالرئيس لأنه لا يتمكن ولا يملك صلاحية وسلطات حل المجلس التشريعي لجأ لخطوة غير دستورية وهي خارج صلاحياته بالاعتماد على المحكمة الدستورية لحل المجلس التشريعي.
كلاهما يملك أفاق وسيناريوهات وخيالات سياسية خصبة للمس بالأخر والطعن فيه والمس بمكانته وتوجيه الاتهامات له كما يشاء، ولكنهما لا يملكان المس بشرعية الآخر إلا عبر صناديق الاقتراع، وهي الوسيلة التي لن يتمكن أحدهما من استعمالها بدون رضى وموافقة وقبول الطرف الأخر، فتح مع حماس، فقد انتهى العصر السياسي الذي يسمح لفريق سياسي التحكم بالنظام السياسي الفلسطيني، فقد بات نظام الفلسطينيين يقوم على رأسين وقاعدتين وفصيلين، وهذا هو الواقع الفلسطيني الذي يتطلب من طرفي الصراع والخلاف التعايش معه والتكيف مع نتائجه حصيلة افرازات الواقع والنضال على الأرض وفي الميدان سواء رغب البعض أو كره.
ولكن ما هو البديل! إذا لم تُفلح كل الجهود المصرية والاتفاقات الموقعة بين فتح وحماس، لإنهاء الانقسام وتحقيق خطوات الوحدة للمؤسسة الفلسطينية ؟ هل هناك بدائل واقعية للجهود والاقتراحات التي قُدمت وأساسها وحدة المؤسسة من الأعلى إلى الأسفل؟ هل يمكن القيام بخطوات عملية تدريجية، عبر خطوات من الأدنى نحو الأعلى؟هل يمكن إجراء انتخابات بلدية ومجالس طلبة الجامعات في غزة، أسوة لما يحصل في الضفة الفلسطينية، فها هي فتح تعمل انتخابات بالضفة وتفوز بها حماس كما حصل في جامعة بير زيت مثلاً إذ حصلت حركة حماس على أغلبية مقاعد مجلس طلبة جامعة بير زيت، فلماذا لا تملك حماس شجاعة الإقدام على انتخابات مجالس طلبة جامعات قطاع غزة لتدلل على قبولها بمبدأ الانتخابات وقبولها بالطرف الأخر شريكاً أو متمكناً حصيلة نتائج العملية الانتخابية، ومثلما جرت انتخابات بلدية في الضفة لماذا لا تتم الانتخابات البلدية في قطاع غزة لتعكس عملية الشراكة في المجتمع الفلسطيني وتتعود حماس على هذه الشراكة لأنها منذ الانقلاب 2007 إلى اليوم تقوم سلطتها على التفرد والسيطرة والأحادية واللون السياسي الواحد.
فصائل اليسار الفلسطيني الخمسة التي شكلت تجمعها السياسي تحت غطاء التجمع الديمقراطي يمكن له أن يلعب دوراً سياسياً قوياً إذا تماسك مع بعضه وأثبت حقاً أنه مستقل وقدم الاقتراحات العملية للخروج من هذا المأزق المدمر ذاتياً من قبل طرفي الانقسام لصالح العدو الوطني ومشروعه الاستعماري التوسعي، وبدون لف ودوران على الناس فكلا الجانبين فتح وحماس مرتبط مع الاحتلال باتفاق وتفاهم ولا تستطيع واحدة منهما المزايدة على الأخرى، سلطة رام الله ملتزمة بالتنسيق الأمني مع تل أبيب، وسلطة غزة ملتزمة بالتهدئة الأمنية مع تل أبيب، وها هو المال يتدفق إلى غزة عبر تل أبيب وموافقتها ورضاها مثلما تفعل رام الله التي تستلم أموال المقاصة شهرياً من المالية الإسرائيلية وفق الاتفاق، فلا أحد منهما يملك المزاودة على الآخر.