هل سيعود وزراء الخارجية العرب وهم يهيئون للبحث في العودة عن قرار تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية إلى أرشيف الجامعة من أجل بناء قرارهم الجديد على حد أدنى من التماسك والانسجام ولو اللفظي بين ما سبق أن قررته دولهم منذ قرار تعليق العضوية في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 ؟
تعليق العضوية في حينها جرى ربطه بالآتي: « …إلى حين التزام الحكومة السورية بتنفيذ بنود المبادرة العربية».
من نافل القول أن الظروف تغيرت، وأن المعطيات التي أملت تعليق العضوية في حينها انقلبت رأساً على عقب، وأن المفارقات والتناقضات التي ستطبع قرار العودة عن تعليق العضوية، تمليها معطيات سياسية وميدانية لا تمت بصلة إلى تلك التي كانت سائدة وقتها. من المتغيرات أن وزراء خارجية وقادة عربا رحلوا أو تغيروا.
فالمبادرة العربية التي تولى التفاوض مع حكام دمشق لتنفيذها الأمين العام للجامعة نبيل العربي آنذاك، وقبله لجنة وزارية عربية، تضمنت 14 بنداً بينها «سحب كل المظاهر العسكرية من المدن السورية (والمقصود بها الجيش والقوى الأمنية النظامية لأن الاحتجاجات الشعبية كانت سلمية في حينها) حقنا لدماء السوريين ولتجنيب سورية الانزلاق نحو فتنة طائفية أو إعطاء مبررات للتدخل الأجنبي».
وتضمنت أيضا «إطلاق جميع المعتقلين السياسيين أو المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات» وإعلان «خطوات إصلاحية تضمنتها خطب الرئيس، بالانتقال إلى نظام تعددي تمهيدا لانتخابات رئاسية تعددية عام 2014 موعد انتهاء ولايته…» و«فصل الجيش عن الحياة السياسية» و«قيام حوار تشارك فيه التنسيقيات البازغة على الأرض» و«تشكيل حكومة وحدة وطنية ائتلافية برئاسة رئيس حكومة مقبولا من المعارضة مهمتها إجراء انتخابات شفافة» وأن تكون مهمة المجلس النيابي الجديد أن يعلن نفسه جمعية تأسيسية لإقرار دستور ديموقراطي جديد يطرح للاستفتاء العام»…
هذه كانت النسخة الأولى من المبادرة التي ماطلت القيادة في دمشق في الموافقة عليها، والتي أضيف إليها بعد إفشال تنفيذها بنود أخرى في شهر كانون الأول (ديسمبر) منها إرسال بعثة مراقبين عرب من العسكريين برئاسة اللواء محمد مصطفى الدبي للإشراف على وقف العنف ضد المتظاهرين عادت فانسحبت في أواسط شهر كانون الثاني 2012 بعد العراقيل في وجه مهمتها. والإضافات على المبادرة جاءت بعد اقتحام الموالين للنظام سفارات قطر والسعودية وقنصليتي تركيا وفرنسا…
هل ننسى أن نسختي المبادرة جاءتا بعد سلسلة زيارات قام بها العربي إلى دمشق لإقناع الأسد باعتاد الحوار بدل القمع، وكذلك لوزراء خارجية عرب، ولوزير خارجية تركيا… أخفق جميعهم في ثنيه عن البطش وإراقة الدماء؟
فأين سورية اليوم من هذه البنود في وقت باتت مقسمة بحكم التدخل الخارجي فيها، بين دول، العرب أقل الحضور منها، ويصعب خروجها من دون تسويات دولية، أو قد تفضي هذه التسويات إلى بقائها… وفي وقت تزدحم سجون النظام بمئات آلاف المعتقلين الذين لا يلبثون أن ينقصوا لموت الآلاف منهم تحت التعذيب، حتى يدخل ما يفوق عددهم إلى المعتقلات؟ وأين الحوار في وقت يعتمد النظام سياسة السحق مع المعارضين ويريد الهيمنة على لجنة صوغ الدستور؟ السؤال ينطبق أيضا على ما آلت إليه المعارضة السورية. أين أصبحت؟
لم يكن عن عبث أن قال وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل يومين إن عودة سورية إلى الجامعة مرتبطة بالحاجة «لاتخاذ دمشق إجراءات وفق قرار مجلس الأمن 2254 لتأهيلها لهذه العودة»، وهذا كلام صادر عن رئيس ديبلوماسية الدولة العربية الأكبر، التي يعول عليها النظام السوري لترجيح خيار استعادة سورية إلى الجامعة، كما بات معروفا. وهو يمثل الدولة التي أبقت على سفارتها في دمشق ودعمت النظام وجيشه فيها لاقتناع قيادتها بأن الحفاظ على الجيش يبقي على بارقة أمل بإمكان استعادة الاستقرار في بلاد الشام، ولو بعد وقت طويل. وليس عن عبث قول بعض ديبلوماسيي الدول الخليجية التي فتحت سفاراتها، أو تستعد لفتحها، أن هذه الخطوة شيء، وعودة سورية إلى الجامعة شيء آخر ما زال مبكراً. فسحب السفراء من دمشق نص قرار الجامعة على أن يكون «سياديا لكل دولة» أن تتخذه وفقا لمصالحها ورؤيتها، منفصل عن تعليق العضوية.
في الأصل تعامل النظام مع القرار كأنه لم يكن. والدول الأعضاء في الجامعة أمامها تحدي الإجابة على السؤال: مع من تتعامل أوتتشارك في سورية؟ مع إيران أم تركيا أم إسرائيل أم روسيا أم مع أميركا المنسحبة؟.