بسعادة لا توصف، وبتأثر شديد، تابعت وقائع الاحتفال الذي رعاه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة بافتتاح مسجد الفتاح العليم وكاتدرائية ميلاد المسيح.
هذه لم تكن مجرد احتفالية بافتتاح مسجد وكنيسة.. كانت مظاهرة للوطنية المصرية.. ملحمة مصرية في حب الوطن.. ملحمة تجسد المعاني الحقيقية للمواطنة، والتسامح والحب، والتعايش، والولاء الوطني.
كان جميلا جدا ان يلقي الإمام الأكبر شيخ الأزهر الكلمة الرئيسية في افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح مهنئا المسيحيين والمصريين جميعا، وان يلقي البابا تواضروس الكلمة الرئيسية في افتتاح مسجد الفتاح العليم مهنئا المسلمين والمصريين جميعا.
عرض في حفل الافتتاح فيلم وثائقي لمراحل بناء المسجد والكنيسة معا، والجهود الجبارة التي بذلت من أجل ذلك.. عمل معماري مبهر وعظيم تم إنجازه في وقت قياسي.. تم بناؤه بعلم وفكر وخبرة وسواعد الكفاءات الوطنية المصرية.. آلاف المصريين من مهندسين ومعماريين وعمال وفنيين وفنانيين.
جيش من المبدعين والعمال المصريين، مسلمين ومسيحيين أبدعوا وعملوا طويلا بتفان وحبّ، وبنوا معا المسجد والكاتدرائية في وقت واحد، وكانت النتيجة تحفتين معماريتين حضاريتين تفخر بهما مصر حقا.
شيء واحد كان هو الدافع والحافز الأساسي الذي يحرك هذا الجيش من المبدعين ويفسر إنجازهم المبهر في هذا الوقت القياسي.. روح الوطنية المصرية الجامعة التي لا تعرف فرقا في حب الوطن بين مسلم ومسيحي.. لا تعرف الا الحب والولاء للوطن. هذه الروح هي بالذات التي حفظت مصر طوال تاريخها الطويل.
أما عن المغزى التاريخي والحضاري والوطني لهذا الإنجاز الكبير، فقد عبر عنه الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب أفضل تعبير في كلمته حين قال: «ان هذا الحدث يعد حدثًا استثنائيًّا وربما لم يحدث من قبل على مدى تاريخ المسيحية والإسلام، حسب ما أعلم، فما أعرف أن مسجدًا وكنيسة بُنيا في وقت واحد وانتهيا في وقت واحد وبقصد تجسيد مشاعر الأخوة والمودة المتبادلة بين المسلمين وإخوتهم المسيحيين. ما أعرف أن حدثا كهذا حدث قبل أن نشاهد اليوم هذين الصرحين البالغي القدر من حيث العمارة الفنية التي يحق لمصر أن تفخر بها على سائر الأمصار ويحق لعاصمتها الجديدة أن تزهو بها على سائر الأمصار».
وقال أيضا: «هذه الكاتدرائية تقف شامخة بجانب المسجد الجديد، في صمود ورمز يتصديان لكل محاولات العبث باستقرار الوطن وأي محاولات لبث الفتنة الطائفية».
لسنا بحاجة الى التنبيه الى القيمة الكبرى لهذا الإنجاز بمعانيه الحضارية والوطنية في الوقت الحاضر بالذات.
نحن نتحدث كثيرا في كل الدول العربية عن أهمية ترسيخ قيم ومعاني التسامح، والتعايش المشترك بين كل أبناء الوطن، وقبول الآخر واحترامه ورفض التطرف والتعصب وترسيخ الولاء الوطني.
قيمة هذا الإنجاز انه يجسد كل هذه القيم والمعاني بشكل عملي ملموس بعيدا عن مجرد رفعها كشعارات انشائية.
هذا أمر له أهمية وطنية حاسمة اليوم في الوقت الذي نواجه فيه، في مصر وفي كل الدول العربية، قوى ظلامية فكرية ودينية وسياسية.. قوى ظلام تتبنى فكرا متطرفا عنيفا متخلفا يقود الى إشعال الفتن الطائفية وتحريض أبناء الوطن الواحد على بعضهم البعض، وتدعم العنف والإرهاب.
أيضا، نواجه في الوطن العربي منذ سنوات طويلة دولا وقوى أجنبية تسعى لتدمير الوحدة الوطنية في دولنا ومجتمعاتننا العربية، وتسعى لإشعال الفتن والصراعات بين أبناء الوطن، سنة وشيعة، ومسلمين ومسيحيين، وتعتبر ان اشعال هذه الصراعات هو الأداة الأساسية لتنفيذ مخططاتها الإجرامية التي تسعى الى تمزيق وتدمير دولنا.
نريد ان نقول انه في مواجهة قوى الظلام هذه والدول والقوى الأجنبية ومخططاتها، وفي مواجهة كل محاولات تدمير الوحدة الوطنية، ليس هناك افضل من هذه الإنجازات الملموسة كهذا الإنجاز الكبير الذي تحقق في عاصمة مصر الادارية الجديدة والذي يجسد على ارض الواقع معاني التسامح والوحدة الوطنية والتلاحم الوطني.
هذا هو الدرس الأكبر. إنجاز عملي واحد ملموس أهم وأبقى وأكثر تأثيرا من ملايين الخطب والعبارات الانشائية.