ذهبت أتسوق حاجاتى الأسبوعية من الخضار من أحد البائعين بالمنطقة التى أقطن بها.. ولفت نظرى سيدة طاعنة فى السن تقبض كف يدها على مبلغ عشرة جنيهات.. السيدة تتمتع بمظهر لائق، ملابسها مهندمة وتتمالك نفسها شكلاً ومضموناً، وتتمتع بهدوء وسكون نفسى يشعرك بنسمات زمن جميل من الطيبة والحنان الذين ضاعوا وسط صخب الحياة.. كانت مشتريات السيدة من أنواع الخضار كلها لا تتجاوز النصف والربع كيلو اشترت نصف كيلو طماطم ونصف كيلو بصل وربع كيلو ليمون ونصف كيلو بطاطس.. وجاء وقت الحساب وطلب منها الخضرى مبلغ اثني عشر جنيها ونصف الجنيه.. وفجأة سمعت صوت ثورة عارمة من السيدة وهى تستفسر منه عن سبب طلبه هذا المبلغ، فكان جوابه نصف طماطم باتنين جنيه ونصف، ونص بصل شرحه، وربع ليمون أيضاً شرحه، ونصف بطاطس بخمسة جنيهات.. لم تكن ثورة السيدة على أى سعر من الخضراوات الثلاث ولكن ثورتها كانت على الخمس جنيهات سعر النصف كيلو بطاطس.
فوفقاً لحسابها إن البطاطس الكيلو بخمسة جنيهات والنصف باتنين جنيه ونصف وبكده تكون قفلت طلباتها العشرة جنيهات التى بين يديها.. ولكن بائع الخضار فاجأها بأن كيلو البطاطس بعشرة جنيهات.. وتساءلت السيدة بعفوية شديدة..هى مش البطاطس الجديدة طلعت وبالتالى أزمتها اتحلت ورخصت ليه بقى لسه غالية؟.. وبمنتهى الاستهتار والاستفزاز رد عليها البائع: روحى اسألى الريس اللى غلى كل حاجة وإحنا ما لنا هى ديه الأسعار نجيب لكم منين؟.. نكونش هنصرف عليكم!
وكان رد السيدة صاعقاً عندما باغتته قائلة: «ومال الريس والبطاطس؟!.. هو هيشترى ليكم ضمير تبيعوا بيه.. وللا هيبنى لكم مدرسة يعلمكم فيها قلة الجشع والطمع والاستقواء علينا.. وهو ماله ومال البطاطس هو اللى بيزرعها ولا بيبعها؟.. وحتى لو كده طاب إحنا قلبنا مش على بعض ليه؟.. الرحمة راحت فين؟.. أنت لم ترحم ضعفى ولا قلة حيلتى وكبر سنى وأنت بتعلي صوتك عليا وكأنى راجل قداماك.. ربنا يهديك يا ابنى مش عاوزة بطاطس.. بناقصها.. هى لازم يعنى خلاص آكل أى حاجة.. طالما أن قلة الضمير وصلت للبطاطس كمان».
كان هذا هو حال السيدة وهى تحاسب على مشترواتها بدون البطاطس.. المؤسف أن قلب البائع الذى لا يتجاوز سنه عمر أحفادها لم يرق لضعف تلك الأم وكان على غلظته وهو يحاسبها.. حاولت أتدخل وأدفع للسيدة باقى المبلغ الاتنين جنيه ونصف باقى ثمن البطاطس، فرفضت بشدة مؤكدة أنها مستورة والحمد لله ولكنى لم أحضر معى سوى العشرة جنيهات.. توسلت إليها أن تستجيب لطلبى ولكنها أصرت على رفضها.. وحملت مشترواتها وانصرفت… وذهبت أنا أحاسب على مشترواتى بسرعة حتى ألحقها وأحاول مساعدتها.. ولكنها للأسف غابت بين الناس وتلاشت ولم أستطع أن أعلم من أى شارع دخلت.. ولكن ظلت كلماتها ترن فى أذنى.. هل مطلوب من الرئيس فعلاً أن يشترى لنا ضمائر بدلاً من تلك التى ماتت بفعل انعدام القيم والمبادئ التى تربينا عليها؟.. أم هل يبنى لنا مدرسة تعلمنا القيم من جديد؟
غابت السيدة.. وتلاشت الأخلاق.. وانعدم الضمير وظلت حقيقة واحدة موجودة وهى أن البطاطس الجديدة ظهرت ولكن ما زال سعرها مرتفعًا وهو ما فوق طاقة معظم المصريين.