كثيرة هي الفضائل والقيم، التي جسدَّها السيد المسيح، عيسى بن مريم، عليه السلام، كونه مثالًا واحدًا حيًّا للإنسانية بأسمى صورها وأبهى معانيها، وتصويرًا حقيقيًا للرحمة الإلهية في أجلِّ معانيها.
لقد نهلت الإنسانية به ـ سلام الله عليه ـ من معين الصبر والتضحية والإباء، فكان النتاج مزيجًا من فيض الميلاد وبذل العطاء، ذلك أن المسيح هو روح الله وكلمته الصادقة، للتأكيد والدفاع عن القيم الإنسانية، والعمل الصادق على إحقاق الحق، وتحرير الإنسان من الظلم، وتقريبه من ربه وخالقه.
كلمة الله «المسيح عيسى بن مريم» حمل على عاتقه راية هداية الناس وإنقاذهم، في عهد الضلال والجهل والإجحاف وإهمال القيم السامية.. جاء ليحارب قوى المال والسلطة المتجبّرة الظالمة، وعقد العزم على بسط العدل والرحمة والتوحيد.
بُعث هذا الرسول العظيم مسلحًا بالمعجزة والدعوة الإلهية لإنقاذ البشرية من ظلمات الشرك والكفر والجهل والظلم، وإيصالها إلى نور المعرفة والعدل، وعبودية الله الواحد الأحد.
لم يتردد المسيح لحظة واحدة ـ خلال فترة وجوده بين البشر ـ في مكافحة الشر والدعوة إلى الإحسان، حيث بُعث في سبيل إسعاد الناس، محذرًا إياهم من اتباع الأهواء والنزوات وتلويث صفاء الروح الإنسانية بالقُبح والظلم والإساءات.
ما نستلهمه من سيرته العطرة، أن القوى الفاسدة والمتعسفة وعُبَّاد المال والقوة آذوا هذا الرسول الإلهي واتهموه.. بل هَمُّوا بقتله، وبعد أن ضمَّه الله تعالى إلى أحضان حفظه وأمانه، راحوا يعذبون ويؤذون حوارييه وأتباعه سنوات طويلة، للقضاء على تعاليمه المناهضة للفساد والظلم والشرك والنزوات وإشعال الحروب وخداع الناس.
إن في ذكرى ميلاد السيد المسيح دروسًا يجب أن يستلهمها المسيحيون والمسلمون المؤمنون بنبوة هذا العظيم الخالد، ولذلك فإن البشرية اليوم أحوج من أي وقت آخر لهذه التعاليم.. وعندما نحتفي بمناسبة ذكرى مولده، فتلك فرصة رائعة نحو مزيد من التأمل والتفكير في المساحات النورانية المشتركة بين الإسلام والمسيحية.
إننا عندما نتحدث عن القيم الإنسانية في أسمى تجلياتها ومعانيها، نجد أن الله تعالى أوجدها في نبيّه «عيسى»، وثبتها وكرَّسها في خاتم الأنبياء والمرسلين «محمدًا»، من خلال تضحياتهما المشتركة في سبيل حفظ الدين وتبليغ الرسالة الإلهية.
نتصور أن على المؤمنين بهذا الرسول العظيم «مسيحيين ومسلمين»، العودة إلى تعاليم وطريق الأنبياء من أجل نظام عالمي عادل، وكذلك نشر الفضائل الإنسانية طبقاً لتعاليم الأنبياء، الذين هم معلمو الإنسانية العظام.
في تلك المناسبة العظيمة، يجب على مسلمي الأمة ومسيحييها إنكار الذات، وتجنب الأنا، لتعزيز القواسم المشتركة، انطلاقًا من جميع الأفكار السامية والقيم العليا والمشتركات النورانية التي تقربنا وتجمع بيننا، لتكون وقودًا لحياتنا، ومشعلًا لطريقنا، وسراجًا لنهجنا.
إن الفضائل المشتركة بين المسيحية والإسلام كثيرة ومتعددة.. فمن التعارف والتآلف والمودة والسلام، إلى قيم التسامح والتناصح والإخاء والوئام.. ومن الإقبال على فعل الخير وحسن المعاملة، إلى الإحجام عن الأنانية.. ومن حب الأوطان وتجويد العمل والعطاء واعتناق العدل والبر والإحسان، إلى نبذ الشدة والغلظة ومقاومة البغي والعدوان، مما يؤكد أنهما من نبع واحد.
أخيرًا.. نعتقد أن ذروة تلك الفضائل والقيم المشتركة، التى تتقاسمها المسيحية والإسلام، هي فضيلة الحب وقيمة السلام.. إليهما دعيا، ومن أجلهما جاهدا، ليتمما مكارم الأخلاق.
Zaher3333@gmail.com