نون والقلم

د. البدر الشاطري يكتب: ماذا تحمل السنة الجديدة للإقليم

ماذا يحمل العام الجديد لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، خاصة أن هناك استحقاقات كثيرة تواجه المنطقة في 2019. يقول تقرير سنوي صادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إن المنطقة شهدت أكبر كم من الاضطرابات وأعمال العنف والنازحين وأكبر عدد من ضحايا الإرهاب في العالم.

ويشير التقرير المهم إلى عدة أمور من المتوقع حدوثها في العام الحالي ومنها إعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الإقليم. ويتمثل في إعادة الهيكلة للدور الأميركي في المنطقة بالتحول نحو الشرق وتقليص التدخل العسكري الذي تمثل في سحب «أنظمة صواريخ باتريوت من منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً من الأردن والكويت والبحرين، وإعادة توزيعها في مناطق أخرى من العالم». أضف إلى ذلك سحب القوات الأميركية من سوريا والذي أعلن عنه نهاية العام المنصرم. وتحاول الولايات المتحدة أن تشكل حلفاً عسكرياً من دول المنطقة كبديل لتواجد أميركي مستمر. وستكون الولايات المتحدة القائدة لهذا التحالف كبديل ورديف للتواجد الأميركي.

ويرى التقرير أن الدور الروسي سيتعاظم في لعب دور في القضايا الإقليمية. ولعله يستند في ذلك للانتصار الذي تحقق لموسكو في سوريا وإنهاء الحرب لصالح النظام هناك. ويتساءل التقرير إذا ما كان لروسيا استراتيجية وهل هي ناجحة في المنطقة. ويجيب على هذا التساؤل بأن لموسكو فعلاً استراتيجية واستراتيجية ناجحة. وهي جزء من استراتيجية الجنوب للوصول إلى المياه الدافئة.

وقد تجلى الانخراط الروسي في قضايا الإقليم من خلال وسيلتين الأولى السياسة وهي زيارات على أعلى المستويات بين موسكو وعواصم مهمة في الشرق الأوسط ومنها الإمارات والسعودية وإيران وتركيا. كما أن الوسيلة الثانية في تجلي الانخراط الروسي هو مبيعات أسلحة متقدمة لعدة دول في المنطقة. إضافة إلى صفقات تجارية واستثمارية بين روسيا وعدة دول في الإقليم.

لا يمكننا أن نفهم أحداث الشرق الأوسط دون فهم علاقات الدول الكبرى وتنافسها على واقع الإقليم. فعلاقات الدول الكبرى تنعكس سلباً وإيجاباً على مجريات الأمور في الشرق الأوسط. ويقول التقرير إن الصين توسعت في علاقاتها مع الإقليم مع انحسار الدور الأميركي فيه. وتقوم الصين بعسكرة علاقاتها مع الإقليم لجهتين. الأولى، تتعلق بالتواجد العسكري المباشر كإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي. كما تزايد تواجدها العسكري في المنطقة نتيجة لمحاربة القرصنة في محيط القرن الإفريقي. والثانية، تتعلق بمبيعات الأسلحة والتي شهدت طفرة في صادرات الأسلحة من الصين إلى الإقليم، وقد بلغت بين 2013 و2017 إلى 4.1 مليارات دولار.

وفي هذا السياق لا نستطيع أن نغفل دور الاتحاد الأوروبي في المنطقة. فقد قامت بريطانيا بدعم أميركي لحل الأزمة اليمنية. وسعت إلى استصدار قرار أممي لإنهاء الأزمة. ورغم إخفاقها إلا أنها نجحت بعد اتفاق ستوكهولم بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي في إصدار القرار رقم 2451 في 21 ديسمبر 2018، والذي ساهم في نشر قوات دولية لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة. كما لعبت إيطاليا دوراً في تجميع الفرقاء الليبيين في مؤتمر باليرمو للوصول إلى حل يعيد الاستقرار في ليبيا. وهذه قضية مهمة بالنسبة للاتحاد الأوروبي بسبب الاستثمارات البترولية وعقود إعادة الإعمار، وكذلك منع الهجرة الغير شرعية إلى دول أوروبا، وخاصة إيطاليا.

ويحاول الاتحاد الأوروبي تحت رئاسة رومانيا التوسط بين قطر ودول المقاطعة. وحسب تصريح وزير الخارجية الرومانية فإن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى عقد مؤتمر قد يساعد في حل الأزمة القطرية. وفي نفس السياق الأوروبي أعلنت فرنسا دعمها للأكراد بعد أن تخلت واشنطن عنهم إثر إعلان الانسحاب من سوريا والتي انتقدته باريس بشدة.

ويتعرض التقرير الاستراتيجي إلى استفحال تنافس التحالفات المتعددة في المنطقة. ويشير التقرير إلى ثلاثة تحالفات تتنافس في الإقليم. وحسب ما جاء في التقرير، لم تطرأ أي تغييرات مهمة على التحالفات في المنطقة. فأول هذه التحالفات هو التحالف الرباعي بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين. ويقابل هذا التحالف تحالف مناوئ من تركيا وقطر من ناحية وإيران وميليشياتها المتعددة. ولا يبدو أن هناك حالة من الانفراج بين هذه المعسكرات في العام القادم.

ولا يحمل العام معه التحلحل في كثير من القضايا الشائكة في منطقة الشرق. بل أن المنظمات الإقليمية والدولية فقدت كثيراً من قدراتها للعب دور إيجابي في التوصل إلى حلول مجدية. فالقضية الفلسطينية ستواجه محنة كبيرة خاصة في التفاوض مع حكومة يمنية وإدارة أميركية متحيزة إلى إسرائيل بشكل مسرف. كما أن قطع المعونات الأميركية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) سيكون له أثر سلبي على الفلسطينيين. وليس هناك في الأفق مصالحة بين حكومتي الضفة الغربية وغزة.

وخلاصة القول إن المنطقة ستواجه استحقاقات عديدة قد لا تستطيع مواجهتها. وقد تنبئ الأوضاع في انفجارات في دول عربية أو مواجهات مسلحة بين دول على خلفية هذا الاحتقان السياسي في المنطقة.

نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى