مازلنا بصحبة الفيلسوف العربى «ابن القيم»: فقد ذكر ابن القيم فى منظومته «الكافية الشافية فى الانتصار للفرقة الناجية» والتى تسمى «بنونية ابن القيم» ما يقوله الأشاعرة وغيرهم فى الصفات والتأويلات ثم عقد فصلاً ذكر فيه أنه هو أيضاً كان يتبع أقوالهم ويقول مثل قولهم، ويذكر بكر بن عبدالله أبوزيد مستدلاً بهذه الأبيات أن ابن القيم تاب على يد ابن تيمية، فيقول: «ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى فى النونية بعض ما يقوله الأشاعرة وغيرهم فى الصفات من التأويلات وبعض ما فى كتب النفاة من الطامات، وبيَّن ضررهم على الدين ومناهضتهم لنصوص الكتب والسنة ثم عقد فصلاً أعلن فيه أنه قد وقع فى بعض تلك المهالك حتى أتاح له الإله من أزال عنه تلك الأوهام وأخذ بيده إلى طريق الحق والسَّلامة، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وفى المقابل يذكر آخرون مثل «صالح بن أحمد الشامى» أن القضية هنا هى تكون إطار الاجتهاد أو تصحيح المسار ومثل هذا لا يعد ذنباً والانتقال إليه لا يسمى توبة، فيقول معلقاً على كلام بكر أبي زيد قائلاً: «ولم أرَ من المترجمين لابن القيم من ذكر هذا الموضوع أو أشار إليه، بحسب اطلاعى المتواضع، والتوبة ـ بمعناها الخاص ـ تكون بعد الذنب المتعارف عليه أنه ذنب، ووضعها عنواناً لهذا الأمر لا يتناسب مع مكانة ابن القيم مع تقديرى الكبير للشيخ بكر ـ وإنَّ كل إنسان مهما كان شأنه عرضة للوقوع فى الذنب.
وقد جاء فى كتاب «توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم» «لأحمد بن ابراهيم بن عيسى» الذى شرح فيه نونية ابن القيم بعد ما استعرض الأبيات السابقة: «ثم بيَّن انه قد جرب ذلك، وانه وقع فى بعض تلك الشباك والمصائد، حتى أتاح له المولى بفضله، من أوضح له تلك الشبهة وأزاح عنه تلك الشكوك، وهو شيخ الإسلام».
وقد حصل لابن القيم بسبب اتصاله بابن تيمية، ونصره لمذهبه وتمسكه به، كثير من المضايقات، فقد حبس، وأنكر عليه بعض الفقهاء فى عدد من المسائل التى انتصر فيها لرأى ابن تيمية فقد حبس معه فى حبسه الأخير الذى توفى فيه، ويذكر ابن حجر انه اعتقل بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروباً بالدرة، ولم يفرج عنه إلا بعد وفاة ابن تيمية.
أنكر ابن القيم شد الرحل لزيارة قبر النبى إبراهيم الخليل «فأوذى بسبب هذا وسجن، يقول الذهبى:« وقد حُبس مُدة وأوذى لإنكاره شد الرحل إلى قبر الخليل» ويذكر بعض المؤرخين أن هذه السجنة هى نفسها التى سُجن فيها مع شيخه ابن تيمية، فقد اعتقل ابن تيمية بسبب ما أفتى به من المنع من شد الرحل الى قبور الأنبياء، ويذكر ابن كثير الأحداث التالية لحبس ابن تيمية، أنه فى منتصف شهر شعبان أمر قاضى الفضاة الشافعى بحبس جماعة من أصحابه فى سجن الحكم، وعزر جماعة منهم على دواب ونودى عليهم، ثم أطلقوا، سوى ابن القيم فإنه حبس فى القلعة وسكتت القضية، فكان سبب سجن ابن القيم هو نفس السبب الذى سجن من أجله ابن تيمية، فسُجن بجانبه فى القلعة، ولكنه كان منفرداً عنه.
وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد