نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقه يكتب: المعرفة عند «ابن الهيثم»

ما زال الحديث مستمراً مع الفيلسوف العربى ابن الهيثم أحد الذين غيروا التاريخ على الأرض.

فى علم النفس والموسيقى، كان لابن الهيثم مخطوطة حول تأثير الأنغام على أرواح الحيوانات، والتى تعد أقدم مخطوطة تتعامل مع تأثير الموسيقى على الحيوانات. فى تلك المخطوطة، قال سرعة الجمل تزداد وتقل مع استخدام الحداء، وضرب أمثلة أخرى حول كيفية تأثير الموسيقى على سلوك الحيوان وسيكولوجيته، وقد أجرى تجاربه على الطيور والخيول والزواحف. وحتى القرن التاسع عشر، اعتقد معظم علماء الغرب أن الموسيقى لها تأثير واضح على ظاهر الإنسان، ولكن التجارب أثبتت وجهة نظر ابن الهيثم بأن الموسيقى لها تأثير على الحيوانات أيضاً. كما أكد العالم النفسى السودانى عمر خليفة أنه ينبغى اعتبار ابن الهيثم «مؤسس علم النفس التجريبى»، لعمله الرائد فى علم نفس الإدراك البصرى والخدع البصرية، وهو أيضاً مؤسس علم النفس الفيزيقى، أحد مقدمات لعلم النفس الحديث.

وفى مجال الهندسة المدنية، يعد أهم أعماله المدنية استدعاء الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله له لتنظيم فيضان النيل فى مصر. أعد ابن الهيثم دراسة علمية مفصلة حول الفيضان السنوى لنهر النيل، ورسم ابن الهيثم خطة لبناء سد، فى موقع سد أسوان فى العصر الحديث. وأثناء معاينته العملية للموقع لاحقاً، تبين له عدم جدوى هذا المخطط ثم ادعى الجنون ليفلت من عقاب الخليفة. كما ذكر عبدالرحمن الخازنى، أن ابن الهيثم كتب أيضاً مخطوطة تُقدّم وصفاً لعمل ساعة مائية.

وفى الفلسفة، انتقد ابن الهيثم فى مخطوطة رسالة فى المكان مفهوم التوبوس عند أرسطو. ففى فيزياء أرسطو، ذكر أرسطو أن المكان هو الشىء ثنائى الأبعاد الساكن الذى يحتوى الجسم ويتصل به. اختلف ابن الهيثم مع ذلك، وأثبت أن المكان هو فراغ ثلاثى الأبعاد بين الأسطح الداخلية للجسم الذى يحتويه. وأوضح أن المكان أقرب إلى فضاء، مما ألقى الضوء على مفهوم المكان عند رينيه ديكارت فى القرن السابع عشر. بعد رسالة فى المكان، كتب ابن الهيثم مخطوطته قول فى المكان، والتى قدّم فيها إثباتاً هندسياً حول هندسية المكان، يعارض مفهوم أرسطو الفلسفى حول المكان. وقد كتب عبداللطيف البغدادى المؤيد لرأى أرسطو الفلسفى حول المكان، رداً على تلك الفكرة بكتابه «الرد على ابن الهيثم فى المكان».

وناقش ابن الهيثم أيضاً تخيل الفضاء وآثاره المعرفية فى كتاب المناظر. كما أدى إثباته بالتجربة لنموذج ولوج الرؤية إلى تغييرات فى فهم طريقة الإدراك البصرى للفضاء، على النقيض من نظرية انبعاث الرؤية السابقة التى أيدها إقليدس وبطليموس.

يعتقد البعض أن نظريات ابن الهيثم حول الألم والإحساس متأثرة بالفلسفة البوذية، فقد كتب أن كل إحساس هو شكل من أشكال المعاناة، وأن ما يدعوه الناس بالألم هو مجرد مبالغة فى التخيل؛ إذ لا يوجد فرق نوعى ولكن فقط فرق كمّى بين الألم والإحساس العادى.

وكتب ابن الهيثم عملاً دينياً، تطرق فيه للنبوة ووضع نظاماً ذا معايير فلسفية لمقارعة المكذبين فى زمنه. كما كتب مخطوطة حول «العثور على اتجاه القبلة بالحساب».

وقد كتب فى مخطوطته حول شكوكه فيما يتعلق ببطليموس: البحث عن الحقيقة فى حد ذاتها أمر صعب، والطريق إلى ذلك وعر. فالحقائق يكتنفها الغموض. الله لم يعصم العلماء من الخطأ، ولم يحم العلم من القصور والنقص. لو كان هذا هو الحال، لما اختلف العلماء على أى من مسائل العلم. كتب ابن الهيثم: مما قاله الشيخ الجليل، فمن الواضح أنه يعتقد فى كل ما يقول بطليموس، دون الاعتماد على إثبات أو دليل، ولكن عن طريق التقليد الخالص. وهو ما لا يجوز إلا فى إتباع سنن الأنبياء عليهم السلام، لا مع المختصين بالرياضيات. وصف ابن الهيثم منهجه، فقال: سعيت دوماً نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأنى لكى أتقرب إلى الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة.

مؤلفاته

وفقاً لمؤرخى العصور الوسطى، ألف وكتب ابن الهيثم أكثر من 200 كتاب، وعمل على طائفة واسعة من الموضوعات، منها ما لا يقل عن 96 عملاً علمياً معروفاً. وفقدت معظم أعمالهُ حالياً، ولكن ما زال باقياً أكثر من 50 عملاً منها، وخاصة فى علم البصريات والذى لم يصل إلينا سوى من خلال النسخ المترجمة إلى اللغة اللاتينية. كما ترجمت كتبهُ فى علم الكون خلال العصور الوسطى إلى اللغتين اللاتينية والعبرية وغيرهما من اللغات. وبقيت نحو نصف أعماله فى الرياضيات، ونحو 23 عملاً فى علم الفلك، و 14 فى علم البصريات، وأعمال قليلة فى موضوعات أخرى.

وللحديث بقية

رئيس حزب الوفد

أخبار ذات صلة

Check Also
Close
Back to top button