نواصل الحديث عن «ابن الهيثم»، ففى كتاب المناظر كان ابن الهيثم أول من اكتشف أن المجالات السماوية لا تتكون من أجسام صلبة. اكتشف أيضًا أن الفضاء أقل كثافة من الهواء، وهو ما أثبته بعد ذلك، وكان لها تأثير كبير على أعمال كوبرنيكس وتيخو براهى فى علم الفلك.
كتب ابن الهيثم أيضًا أطروحة بعنوان فى درب التبانة، والذى حل فيها المسائل المتعلقة بالمجرة وتزيح درب التبانة. قديمًا، اعتقد أرسطو أن درب التبانة تكوّن نتيجة ألسنة نيران بعض النجوم الكثيرة الكبيرة المتقاربة من بعضها البعض، وأن هذه النيران تشتعل فى الجزء العلوى من الغلاف الجوى فى مجالات أقمار تلك النجوم. استنكر ابن الهيثم ذلك لأنه ليس لمجرة درب التبانة تزيح، وهى بعيدة جدًا عن الأرض ولا تنتمى لغلاف الأرض الجوي. وكتب أنه إذا كانت مجرة درب اللبانة تقع حول الغلاف الجوى للأرض، «يجب على المرء أن يجد فرقًا فى الموقع بالنسبة للنجوم الثابتة» ووصف طريقتين لوصف تزيح مجرة درب اللبانة : «إما عندما يلاحظ المرء درب التبانة فى مناسبتين مختلفتين من نفس البقعة من الأرض، أو عندما ينظر أحد إليها فى وقت واحد من مكانين متباعدين فوق سطح الأرض»، وقدم أول محاولة لمراقبة وقياس تزيح مجرة درب اللبانة، وأثبت أنه ما دام ليس هناك تزيح لمجرة درب التبانة، فهى لا تنتمى إلى الغلاف الجوي.
ادعى محمد والى بن محمد جعفر فى كتابه «شجراف نامه»، أن ابن الهيثم كتب مخطوطة مراتب السماء تصوّر فيها نموذجا للكواكب مشابها لنموذج تيخو براهي، حيث تدور الكواكب حول الشمس والتى بدورها تدور حول الأرض. ومع ذلك، لكن هذا التحقق من هذا الادعاء يبدو مستحيلًا، حيث لم يتم سرد مخطوطته تلك فى قائمة كتب ابن الهيثم المعروفة.
فى الرياضيات، اعتمد ابن الهيثم فى عمله على أعمال إقليدس وثابت بن قرة. فقد وضع نظامًا للقطع المخروطى ونظرية الأعداد، والتى تعتبر من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، وربط بين الجبر والهندسة، وهو ما استفاد منه رينيه ديكارت فى تطوير الهندسة التحليلية وإسحاق نيوتن فى التفاضل والتكامل.
فى مجالات الديناميكا والحركة، ناقش ابن الهيثم مخطوطته رسالة فى المكان نظريات حركة الأجسام. وأكد أن الأجسام فى حركة دائمة ما لم يوقفها قوة خارجية أو يتغير اتجاهها. كان هذا مماثلا لمفهوم القصور الذاتي، ولكنه لم يحقق تلك الفرضية بالتجربة. كانت إضافته الرئيسية فى الميكانيكا التقليدية، تعريفه لقوة الاحتكاك، التى أثبتها جاليليو جاليلى بعد عدة قرون، وصيغت بعد ذلك فى قانون نيوتن الأول للحركة. وفى نفس المخطوطة، عارض فكرة أرسطو بأن الطبيعة تمقت فراغ، واستخدم الهندسة لإثبات أن المكان هو فراغ ثلاثى الأبعاد بين الأسطح الداخلية للجسم الذى يحتويه. كما اكتشف ابن الهيثم أيضًا مفهوم القوة الدافعة الذى أصبح جزءًا من قانون نيوتن الثانى للحركة، فى نفس الوقت تقريبًا الذى اكتشف فيه ابن سينا ذلك.
وفى كتاب المناظر، وضع العديد من ملاحظات ابن الهيثم التجاربية فى الميكانيكا، وكيف استخدم نتائج تجاربه لتفسير ظواهر ضوئية معينة باستخدام القياس الميكانيكي. أجرى ابن الهيثم تجارب باستخدام قذائف، وخلُص إلى أنه «وحدها القذائف العمودية القوية بما يكفى لها القدرة على اختراق الأسطح، فى حين أن التى تسقط بزوايا مائلة تحيد. فعلى سبيل المثال، لشرح الانكسار من وسط قليل الكثافة إلى آخر أكثر كثافة وباستخدام القياس الميكانيكي، ألقى ابن الهيثم كرة حديد على لوح صخرى رقيق يغطى حفرة واسعة فى صفيحة معدنية عموديًا فكسرته واخترقت، فى حين عندما ألقاها بزاوية مائلة بنفس القوة ومن نفس الارتفاع لم تخترق». فأوضح بذلك الفارق بين الاصطدام المرن، وغير المرن، واستخدم ابن الهيثم هذه النتيجة لشرح كيف أن الضوء الكثيف المباشر يؤذى العينين: «بتطبيقه للقياس الميكانيكى ليبين تأثير أشعة الضوء على العين، استخدم ابن الهيثم أشعة ضوئية قوية عمودية وأخرى ضعيفة مائلة، ليثبت أنه وحدها الأشعة القوية التى تخرج عموديًا من كل نقطة على سطح الكائنات المضيئة، هى القادرة على اختراق العين».
فى الهندسة، طوّر ابن الهيثم علم الهندسة التحليلية وربط بين الجبر والهندسة. كما اكتشف ابن الهيثم صيغة إضافة أول 100 عدد طبيعي، واستخدم ابن الهيثم برهانًا هندسيًا لإثبات تلك الصيغة.
كانت أول محاولة لابن الهيثم لإثبات مسلمة التوازى الإقليدية والمسلمة الخامسة فى كتاب العناصر لإقليدس، باستخدام البرهان بنقض الفرض، حيث قدم مفهومى الحركة والتحويل فى الهندسة. كما اكتشف رباعى أضلاع لامبرت، الذى سماه بوريس إبراموفيتش روزنفيلد بـ «رباعى أضلاع ابن الهيثم-لامبرت»، وحاول أيضًا إثبات أوجه تشابهها مع مسلمة بلاى فير. كانت نظرياته حول رباعيات الأضلاع بما فى ذلك رباعية لامبرت، أولى النظريات فى الهندسة الإهليجية والهندسة الزائدية.
.. وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد المصري