الحديث متواصل مع ابن الهيثم، واليوم نتحدث عن شكوكه فى نظريات بطليموس، انتقد ابن الهيثم فى مخطوطته “شكوك على بطليموس” التى نشرها، العديد من أعمال بطليموس بما فى ذلك كتبه المجسطى والكواكب المفترضة والبصريات، مشيرًا إلى الكثير من المتناقضات التى وجدها فى هذه الأعمال. اعتبر ابن الهيثم أن بعض الأجهزة الرياضية التى استخدمها بطليموس فى علم الفلك، وخاصة معدل المسار، فشلت فى الخصائص الفيزيائية للحركة الدائرية المنتظمة، وكتب نقدًا لاذعًا حول الواقع المادى لنظام بطليموس الفلكي، مشيرًا إلى عبثية اقتراحه بالربط بين الحركات الفيزيائية، والنقاط والخطوط والدوائر الرياضية الوهمية.
افترض بطليموس نظامًا لا يمكن أن يتواجد، والحقيقة أن هذا النظام الذى تخيله حول حركة الكواكب، لا يعفيه من الخطأ الذى افترضه فى هذا النظام، فحركة الكواكب الموجودة لا يمكن أن تنتج وفق هذا النظام المفترض… فتصور الرجل لدائرة فى السماء يدور فيها الكوكب ليست هى الدافع لحركة الكوكب.
وجّه ابن الهيثم المزيد من الانتقادات لأعمال بطليموس سواءً بالتجربة أو الملاحظة أو الاستنباط، لاستخدام بطليموس للحدس فى نظرياته بدلاً من تسجيله لملاحظات حول الظواهر، وهو ما لم يرض عنه ابن الهيثم بسبب إصراره على استخدام التجارب العلمية. وخلافًا لبعض علماء الفلك الذين انتقدوا فى وقت لاحق نظام بطليموس على أساس كونه يتعارض مع فلسفة الفيزياء الأرسطية، كان ابن الهيثم يعارضه بملاحظاته التجاربية والتناقضات الداخلية فى أعمال بطليموس. وقد قال ابن الهيثم فى مخطوطته، معلقًا ابن الهيثم على صعوبة تحقيق المعرفة العلمية:
الحقيقة ذاتها تبحث عن الحقائق، المغمورة فى الشكوك «مثل أعمال بطليموس الذى قال إنه يحترمه كثيرًا» وليست بمنأى عن الخطأ، وقال إن نقد تلك النظريات التى تسيطر على كتاب المجسطى، سيكون لها دور كبير فى نمو المعرفة العلمية:
إن الباحث عن الحقيقة ليس هو من يدرس كتابات القدماء، على حالتها ويضع ثقته فيها، بل هو من يُعلّق إيمانه بهم ويتساءل ما الذى جناه منهم. هو الذى يبحث عن الحجة، ولا يعتمد على أقوال إنسان طبيعته يملأها كل أنواع النقص والقصور. وبالتالى فإن من الواجب على من يحقق فى كتابات العلماء، إذا كان البحث عن الحقيقة هدفه، هو أن يستنكر جميع ما يقرأه، ويستخدم عقله حتى النخاع لبحث تلك الأفكار من كل جانب. وعليه أن يتشكك فى نتائج دراسته أيضًا، حتى يتجنب الوقوع فى أى تحيز أو تساهل.
فى مخطوطته تكوين العالم، على الرغم من انتقاداته الموجهة إلى بطليموس، تقبّل ابن الهيثم حول نظرية بطليموس حول كون الأرض مركز الكون، وقدّم وصفًا تفصيليًا للمجالات السماوية فى تلك المخطوطة: الأرض ككل كرة مركزها هو مركز العالم، وتتمركز فى وسطه، وهى ثابتة لا تتحرك فى أى اتجاه بأى نوع من الحركات، فهى دائمًا ساكنة. فى الوقت الذى كان فيه ابن الهيثم يحاول دراسة نظرية بطليموس تلك رياضياتيًا، قال بأن كل من كواكب بطليموس لها فلكها الخاص بها. تُرجم هذا العمل إلى العبرية واللاتينية فى القرنين الثالث والرابع عشر الميلاديين، وكان له تأثير على علماء فلك مثل جورج فون بيورباخ فى أوروبا العصور الوسطى وعصر النهضة.
كانت مخطوطته نماذج حركات الكواكب السبعة التى كتبها عام 428 هـ عن علم الفلك. احتوت النسخة التى لا تزال باقية من هذه المخطوطة، والتى تم اكتشافها مؤخرًا رغم فقد معظمها، لذلك لم تنشر، وكما فعل فى مخطوطة شكوكه على أعمال بطليموس. وصف ابن الهيثم أول نموذج بعد نموذج بطليموس حول حركة الكواكب. لم تكن المخطوطة متعلقة بعلم الكون، حيث وضع فيها دراسة هندسية منهجية حول ميكانيكية الحركة، وهو ما أدى بدوره إلى تطورات مبتكرة فى هندسة متناهيات الصغر.
كان تجربته لنموذجه أول رفض لأفكار معدل المسار والدوائر الفلكية، والفلسفة الطبيعية فى علم الفلك. طرح نموذجاً أيضًا فكرة دوران الأرض حول محورها، وأن مراكز الحركة نقاط هندسية دون دلالات مادية، مثلما أثبت يوهانس كيبلر ذلك بعد قرون. وفى المخطوطة، وصف ابن الهيثم أيضًا تصوّرًا مبكرًا لشفرة أوكام، حيث افترض وجود بعض الخصائص التى تميز الحركات الفلكية فى حدها الأدنى، فى محاولة منه فى نموذجه للكواكب لتجاهل الفرضيات الكونية التى لا يمكن ملاحظتها من الأرض.
وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد المصري