لطالما تغنى حزب الله اللبناني بأنه حامل لواء المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبأن تدخله في سوريا جاء لحماية محور المقاومة المتمثل بالنظام السوري الحليف المقرب من الحزب، وشريان الحياة الممتد من إيران إلى لبنان.
فمنذ عام 2011 أعلن حزب الله اللبناني وقوفه بجانب نظام الأسد في وجه الثورة السورية وهو ما ترجم على الأرض بتدخل مباشر وصريح لقوات الحزب وانتقالها من الحدود مع فلسطين المحتلة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي إلى عمق الأراضي السورية بحثاً عن “طريق القدس”، التي قال عنها حسن نصر الله إنها تمر من مدينة الزبداني السورية.
وعلى الرغم من أن موقف حزب الله من الثورة السورية ومشاركته في قتل آلاف السوريين كان صادماً بالنسبة لشريحة كبيرة من الشعوب العربية، باعتباره كان رأس الحرب في قتال الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، وخوضه حرب 2006، فإن الموقف الذي أعلنه الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأن حزبه يرحب بالتدخل العسكري الروسي بجانب النظام في سوريا لم يكن متوقعاً من قبل أكثر المتشائمين وغير المؤيدين للحزب.
– ترحيب على وقع التنسيق الروسي الإسرائيلي
مع طليعة الأخبار التي تحدثت عن تحول الدعم الروسي لنظام الأسد من الدعم اللوجستي والسياسي إلى إنشاء نواة قواعد ومطارات عسكرية روسية في مدينة اللاذقية ودخول قوات روسية للعمل على الأرض السورية، تحركت الدبلوماسية الإسرائيلية، وسافر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى موسكو، الأسبوع المنصرم، للقاء الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة لتنسيق العمل العسكري بين الطرفين في سوريا، وذلك تفادياً لأي اشتباك أو تصادم غير مقصود خلال عمل سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.
التدخل الروسي الذي واجه رفضاً كبيراً من المجتمع الدولي والإقليمي يحظى بترحيب من قبل النظام السوري وتنسيق إيراني، لكن ترحيب حزب الله بهذا التدخل يعتبر سابقة في تاريخ الحزب الذي يتهم من قبل الفرقاء اللبنانيين بأنه يسيطر على مفاصل الدولة اللبنانية ويعطل الحياة الديمقراطية باختيار الرئيس، ويستخدم المقاومة لتبرير حمل السلاح داخل الدولة اللبنانية وإنشاء دويلة خاصة به.
إذ عتبر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن الدخول الروسي في سوريا سيكون مؤثراً في مسار المعركة القادمة، وسيكون له آثار إيجابية لمصلحة النظام في سوريا.
وقال نصر الله، في حديث مع قناة المنار التابعة لحزبه، مساء الجمعة: “إن حجم الدخول الروسي لم يكتمل، لكن هناك أعداداً معتداً بها من الطائرات الحربية والصواريخ والمدافع دقيقة الإصابة، ومع إمكانات كبيرة جداً مع أطقم”، مشيراً إلى أن “المقدار سيكون مؤثراً في مسار المعركة القادمة”.
– ترحيب بأي قوات
منذ بداية الثورة السورية تذرع النظام بأن هناك “عناصر إرهابية” أجنبية تشارك في القتال، واعتبره تدخلاً سافراً في الشؤون السورية، في المقابل غض البصر عن التدخل الإيراني وتدخل حزب الله في الكثير من الجبهات، بل تطور الأمر بأن أعلنت موسكو بأن تدخلها كان بطلب من نظام الأسد.
في الوقت ذاته كانت تصريحات نصر الله بشأن التدخل الروسي مثيرة، بقوله: إننا “نرحب بأي قوة تدخل وتساهم وتساند هذه الجبهة؛ لأنها من خلال مشاركتها سوف تساهم بإبعاد الأخطار الكبرى التي تهدد سوريا والمنطقة، ونحن نعتبر أن دخول العامل الروسي هو عامل إيجابي وتترتب عليه نتائج إيجابية”.
– حزب الله والاحتلال في ذات الحلف
من خلال التطورات التي شهدها الملف السوري منذ عام 2011، تغيرت الكثير من التوازنات والتحالفات السياسية، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع أن يتحول “محور الممانعة” ضد الاحتلال إلى حليف مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي في ذات الحلف وذات الجبهة ضد ما يسمى الإرهاب.
الناظر لهذا التحول والتوقيت المرتبط به، يلحظ التزامن مع بدء تطبيق اتفاق لوزان النووي الذي وقع بين إيران والقوى الغربية، وتحول لغة الخطاب الإيرانية ضد الاحتلال من عداء مطلق إلى توافق ضمني في العديد من الملفات؛ إذ أصبح موقف حزب الله جزءاً من هذه التغيرات، لا سيما أن إيران هي الوالد الشرعي للحزب منذ تأسيسه وارتباطه عقائدياً وسياسياً بنظام الخميني.
لكن السؤال الأهم من ذلك كله، إلى متى سيبقى حزب الله متمسكاً بـ”لواء المقاومة”، وجنوده يقتلون ويُقتلون في الأرض السورية يبحثون عن “طريق القدس” التي وعدهم بها حسن نصر الله، في ظل التوافق الضمني مع موقف الاحتلال الإسرائيلي في الثورة السورية، والترحيب المشترك بالتدخل الروسي المباشر، واعتباره نصراً للقضية التي يؤمن بها حزب الله؟