نون والقلم

المستشار بهاء ابوشقة يكتب: المناظر لـ«ابن الهيثم»

مازلنا فى رحاب الفليسوف الكبير «ابن الهيثم» ونتحدث اليوم عن كتاب المناظر. كان ابن الهيثم أول عالم يقول إن الرؤية تحدث فى الدماغ بدلًا من العينين. وأشار إلى أن التجارب الشخصية لها تأثير على ما يراه الناس وكيف يرونه، وأن الرؤية والتخيل أمور نسبية.

إضافة إلى كتاب المناظر، كتب ابن الهيثم العديد من الأطروحات الأخرى فى علم البصريات. أطروحته رسالة فى الضوء كان بمثابة استكمال لكتابه المناظر، احتوت تلك الأطروحة على تحقيقات حول خصائص الإنارة والإشعاعية المشتتة خلال مختلف الوسائط الشفافة. قام ابن الهيثم أيضاً بالعديد من الفحوص التشريحية على عين الإنسان ودراسة الزيغ البصرى، كما صنع أول كاميرا مظلمة والكاميرا ذات الثقب، وأيضاً درس خصائص قوس قزح وكثافة الغلاف الجوى، وبحث فى الظواهر السماوية المختلفة (بما فى ذلك كسوف الشمس والشفق وضوء القمر). درس ابن الهيثم أيضاً الانكسار والمرايا المقعرة والكروية والعدسات المكبرة.

لابن الهيثم أيضاً نظرية لشرح وهم القمر، التى لعبت دورًا هامًا فى التقاليد العلمية فى أوروبا فى القرون الوسطى. كان يحاول تفسير ظاهرة ظهور القمر فى الأفق القريب أكبر منه فى السماء، وهو النقاش الذى لم يتم حله حتى يومنا هذا. اعترض ابن الهيثم على نظرية بطليموس حول الانكسار، وقال إن صورة القمر زائفة وليست حقيقية. وقال إن الحكم على مسافة كائن يعتمد على ماهية ما هو موجود بين الكائن والرائى. وفى حالة القمر، لا يوجد أشياء وسيطة، لذلك، وحيث إن حجم الكائن يعتمد على بعد من يراه عنه، وهو فى هذه الحالة مسافة غير محددة، لذا يبدو القمر أكبر فى الأفق. اعتمدت أعمال من روجر باكون وجون بيكهام وويتلو على تفسير ابن الهيثم، وبدأ تقبل فكرة وهم القمر تدريجيًا كظاهرة نفسية، مع رفض نظرية بطليموس فى القرن السابع عشر.

فى مخطوطته ميزان الحكمة، ناقش ابن الهيثم كثافة الغلاف الجوى للأرض وربط بينه وبين الارتفاع، ودرس أيضاً الانكسار فى الغلاف الجوى. اكتشف أن الشفق يبدأ أو ينتهى، عندما تكون الشمس تحت الأفق بتسع عشرة درجة، وحاول قياس ارتفاع الغلاف الجوى على هذا الأساس.

فى مجال الفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية، ذكر ابن الهيثم فى أطروحته الخلاصة فى علم الفلك أن الأجرام السماوية يمكن تفسير ظواهرها قوانين الفيزياء.

وضم كتابه ميزان الحكمة نقاشات فى الاستاتيكا والفيزياء الفلكية والميكانيكا السماوية. كما ناقش نظرية تجاذب الكتل، وكان على دراية بمقادير التسارع من مسافة ما الناتج عن الجاذبية. وفى مخطوطة مقالة فى قرسطون هى أطروحه حول مراكز الثقل. لا يعرف الكثير عن هذا العمل، باستثناء ما نقله عنه عبدالرحمن الخازنى فى القرن الثانى عشر الميلادى. فى هذه المخطوطة، وضع ابن الهيثم نظرية حول أن ثقل الأجسام يختلف بحسب المسافة التى تفصلها عن مركز الأرض.

وفى مخطوطة أخرى مقالة فى ضوء القمر التى كتبها قبل كتابه المناظر، كانت أول محاولة ناجحة للجمع بين علم الفلك الرياضى والفيزياء، وفيها أقدم محاولة تطبيق المنهج التجريبى فى علم الفلك والفيزياء الفلكية. وفيها فنّد الفكرة الشائعة بأن القمر يعكس ضوء الشمس كالمرآة، وصحح ذلك بأن «القمر يعكس الضوء من تلك الأجزاء من سطحه التى يسقط عليها أشعة الشمس». وليثبت أن «الضوء ينبعث من كل نقطة على سطح القمر المضىء»، صنع جهاز تجارب مبتكراً. وفقًا لمتياس شرام: وضع ابن الهيثم تصور واضح للعلاقة بين النموذج الرياضى المثالى ومنظومة الظواهر الملحوظة. فقد كان ابن الهيثم أول من استخدم طريقة تثبيت أحد المتغيرات، وتغيير باقى المتغيرات بانتظام، وذلك فى تجربته لتوضيح أن كثافة بقعة الضوء التى يشكلها سقوط ضوء القمر من خلال فتحتين صغيرتين على شاشة، تقل عند حجب أحدها تدريجيًا.

.. وللحديث بقية

رئيس حزب الوفد المصري

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى