الكذب خصلة ذميمة، ينهى عنها شرعنا الحنيف في قرآنٍ يتلى وسنةٍ تروى إلى قيام الساعة، وتمجها مكارم الأخلاق، ولكن أن يجتمع الكذب والغباء فهذا أمرٌ يجعلك تقف في حيرةٍ أمام نقيضين من المشاعر، أَتحزن على حال ذلك الكاذب الغبي، أم تقهقهُ مردداً «شر البليةِ ما يضحك»!
القصة بإيجاز، أن أحد إعلاميي قناة الجزيرة القطرية قام بنشر تغريدةٍ زعم فيها أن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – قد باع فلسطين لليهود، وأرفق بتلك التغريدة صورة يزعم بأنها وثيقة تاريخية تثبت ذلك! فحُق أن ينعت ما قاله بـ «أغبى كذبة في التاريخ»!
لا يخفى على من يعرف نزراً يسيراً من تاريخ الملك عبدالعزيز أنه كان مناصراً لفلسطين ومدافعاً عن حق الشعب الفلسطيني قولاً وفعلاً، بل حتى الذي يكاد يجيد القراءة والرجوع إلى المؤلفات التاريخية الموثوقة يمكنه معرفة ذلك إن كان لا يعرف، وهنا يكمن غباء مطلق هذه الكذبة! أَلم يردعه وعي الناس عن الغباء إن لم يردعه ضميره عن الكذب؟! فمكاتبات الملك عبدالعزيز لقادة العالم –آنذاك– ليست سراً في طي الكتمان، بل هي موجودة وبمقدور أي باحث الوصول إليها والحصول عليها، فضلاً عما تضمنته، منها مؤلفات المؤرخين أمثال: خيرالدين الزركلي، وأحمد عبدالغفور عطار، وعبدالحميد الخطيب، وعثمان بن بشر، وأحمد عسة وغيرهم.
نقل الدكتور عبدالله التركي في مؤلفِه القيّم «الملك عبدالعزيز أمة في رجل» ما ذكره أحمد عبدالغفور في كتابه «ابن سعود وقضية فلسطين»، من أن الملك عبدالعزيز التقى رئيس وزراء بريطانيا السير ونستون تشرشل، كما التقى رئيس الولايات المتحدة روزفلت، في الثاني من ربيع الأول سنة 1364، وأعجب الرئيس الأميركي أشد الإعجاب بشخصية الملك، وعبّر له عن ذلك صراحة. وتدل الرسائل المتبادلة بين الملك وبين الرئيس الأميركي على أن الملك عبدالعزيز مقتنع بالظلم الذي وقع على شعب فلسطين من جراء استيلاء اليهود على أرضهم ودورهم، وأنه – رحمه الله – مقتنع حينما تحدث إلى الرئيس الأميركي بشأن ذلك حديث الواثق بالله، المعتز بإسلامه والمدافع عن العرب والمسلمين، كما نقل قول الزركلي في كتابه «شبه الجزيرة» المتضمن أن كُتُب الملك ورسائله إلى الرؤساء البريطانيين والأميركيين تناولت المسألة من جذورها، وأبطلت كل الحجج التي تذرع بها الغرب لمساندة العدوان على الشعب الفلسطيني، وأن الملك كان في رسائله حول المشكلة عربياً مسلماً، ومدافعاً كبيراً عن مصالح العرب والمسلمين، فضلاً عما ظهر من طابع إنساني في تناوله للمشكلة.
كما ذكر الزركلي أن الرحالة البريطاني هاري سانت جون فلبي، كان على علاقة وثيقة بالملك عبدالعزيز، لاسيما بعد أن اعتنق الإسلام واستقر في المملكة، وقد استشاره الملك في بعض الشؤون الخارجية، ولكن مع ذلك حين حاول فلبي التوسط في قضية فلسطين، وكانت الأمور لا تزال في بدايتها أخفق في وساطته، وكان سبب الإخفاق أن الملك عبدالعزيز لم يكن ليقبل ما يمس حقوق العرب والمسلمين، ونصح فلبي بألا يتطرق إلى هذا الموضوع، على رغم ما بذله الأخير من محاولات لإثارة اهتمام الملك.
وبصرف النظر عما انطوت عليه المؤلفات القيّمة من دلائل وشواهد موثوقة على موقف الملك عبدالعزيز المناصر للقضية الفلسطينية، فإنه لا يخفى على كل سعودي، بل كل عربيٍ منصف، المبادئ والقيم التي جاهد واجتهد هذا القائد العظيم من أجل إرسائها وجعلها منهجاً وسلوكاً وطريقة حياة، وفي مقدمها مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية التي أوجبت نصرة المسلمين والإسلام، وما يتمتع به – رحمه الله – من خصالٍ منبثقة من القيم العربية الأصيلة أو ما نعبّر عنه بـ «مكارم الأخلاق» التي جاء الإسلام ليتممها.
ختاماً: لا أقول أثبت أيها المرتزق على قارعة الإعلام إن كلامك غير مزيّف أو الصورة التي نشرتها غير مزيفة، بل أقول أثبت أنك أنت لست مزيفاً، لأن لا شيء ينبع من ذاتك!