مازلنا فى رحاب الفيلسوف «ابن الهيثم» أحد الذين غيروا وجه التاريخ على الأرض، فقد كان لابن الهيثم إسهامات جليلة فى مجال البصريات والفيزياء والتجارب العلمية، كما كانت مساهماته فى علوم الفيزياء بصفة عامة وعلم البصريات خاصةً، محل تقدير وأساس لبداية حقبة جديدة فى مجال أبحاث البصريات نظريًا وعمليًا.
تركزت أبحاثه فى البصريات على دراسة النظم البصرية باستخدام المرايا وخاصة على المرايا الكروية والمقعرة والزيغ الكروى، كما أثبت أن النسبة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار ليست متساوية، كما قدم عددًا من الأبحاث حول قوى تكبير العدسات.
وفى العالم الإسلامى، تأثر ابن رشد بأعمال ابن الهيثم فى علم البصريات، كما طوّر العالم كمال الدين الفارسى (المتوفى عام 1320م) أعمال ابن الهيثم فى علم البصريات، وطرحها فى كتابه تنقيح المناظر.
كما فسّر الفارسى وثيودوريك من فرايبرغ ظاهرة قوس قزح فى القرن الرابع عشر، اعتمادًا على كتاب المناظر لابن الهيثم. واعتمد العالم الموسوعى تقى الدين الشامى على أعمال ابن الهيثم والفارسى، وطوّرها فى كتابه نور حدقة الإبصار ونور حقيقة النظر عام 1574م.
وتكريمًا لاسمه، أطلق اسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر، وفى 7 فبراير 1999، أطلق اسمه على أحد الكويكبات المكتشفة حديثًا، وفى باكستان، تم تكريم ابن الهيثم بإطلاق اسمه على كرسى طب العيون فى جامعة آغاخان.
وفى العراق، وضعت صورته على الدينار العراقى فئة عشرة دنانير منذ ثمانينيات القرن الماضى ثم 10,000 دينار الصادرة فى عام 2003، كما كان اسمه يطلق على واحدة من المنشآت البحثية التى خضعت للتفتيش بواسطة مفتشى الأمم المتحدة الباحثين عن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية فى عهد الرئيس صدام حسين.
يعد أشهر أعمال ابن الهيثم كتابه ذا السبعة مجلدات فى علم البصريات المناظر وترجم الكتاب إلى اللاتينية على يدى رجل دين غير معروف فى نهاية القرن الثانى عشر أو بداية القرن الثالث عشر الميلاديين.
وكان لهذه الترجمة عظيم الأثر على العلوم الغربية، كما طبعه العالم «فريدريش ريزنر» فى عام 1572، تحت عنوان «الكنز البصرى، وقد ظهر أثر هذا الكتاب على أعمال روجر باكون الذى استشهد باسمه، وعلى أعمال يوهانس كيبلر، كما أسهم فى التطور الكبير للمنهج التجريبى.
أثبت ابن الهيثم أن الضوء يسير فى خطوط مستقيمة باستخدام التجارب العلمية فى كتابه المناظر.
سادت نظريتان كبيرتان حول كيفية الرؤية فى العصور القديمة.
النظرية الأولى نظرية الانبعاثات، التى أيدها مفكرون مثل إقليدس وبطليموس، والتى تفترض أن الإبصار يتم اعتمادًا على أشعة الضوء المنبعثة من العين، أما النظرية الثانية فنظرية الولوج التى أيدها أرسطو وأتباعه، والتى تفترض دخول الضوء للعين بصور فيزيائية.
عارض ابن الهيثم كون عملية الرؤية تحدث عن طريق الأشعة المنبعثة من العين، أو دخول الضوء للعين من خلال صور فيزيائية، وعلل ذلك بأن الشعاع لا يمكن أن ينطلق من العينين ويصل إلى النجوم البعيدة فى لحظة بمجرد أن نفتح أعيننا.
كما عارض الاعتقاد السائد بأن العين قد تجرح إذا نظرنا إلى ضوء شديد السطوع، ووضع بدلًا من ذلك نظرية ناجحة للغاية تفسر عملية الرؤية بأنها تحدث نتيجة خروج أشعة الضوء إلى العين من كل نقطة فى الكائن، وهو ما أثبته عن طريق التجارب.
كما وحّد علم البصريات الهندسية مع فرضيات أرسطو الفيزيائية لتشكل أساس علم البصريات الفيزيائية الحديثة. أثبت ابن الهيثم أيضاً أن أشعة الضوء تسير فى خطوط مستقيمة، كما نفذ تجارب مختلفة حول العدسات والمرايا والانكسار والانعكاس.
وكان أيضاً أول من اختزل أشعة الضوء المنعكس والمنكسر فى متجهين رأسى وأفقى، والذى كان بمثابة تطور أساسى فى البصريات الهندسية، واقترح نموذجاً لانكسار الضوء يُفضى إلى استنتاج مماثل لما أفضى إليه قانون سنيل، لكن ابن الهيثم لم يطور نموذجه بما يكفى لتحقيق تلك النتيجة.
كما قدّم ابن الهيثم أول وصف واضح وتحليل صحيح للكاميرا المظلمة والكاميرا ذات الثقب.
على الرغم من أن أرسطو وثيون الإسكندرى والكندى والفيلسوف الصينى موزى سبق لهم أن وصفوا الآثار المترتبة على مرور ضوء واحد عبر ثقب صغير، إلا أن أيًا منهم لم يذكر أن هذا الضوء سيُظهر على الشاشة صورة كل شيء فى الجانب الآخر من تلك البؤرة.
كان ابن الهيثم أول من شرح هذه التجربة مع مصباحه، فكان بذلك أول من نجح فى مشروع نقل صورة من الخارج إلى شاشة داخلية كما فى الكاميرا المظلمة التى اشتقّ الغرب اسمها من الكلمة العربية: «قُمرة»، التى تعنى «الغرفة المظلمة».
وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد المصري