مازلنا فى صحبة الفيلسوف العظيم «ابن خلدون» الذى امتاز بسعة اطلاعه على ما كتبه القدامى على أحوال البشر وقدرته على استعراض الآراء ونقدها، ودقة الملاحظة مع حرية فى التفكير وإنصاف أصحاب الآراء المخالفة لرأيه، وقد كان لخبرته فى الحياة السياسية والإدارية وفى القضاء، الى جانب أسفاره الكثيرة من موطنه الأصيل تونس وبقية بلاد شمال أفريقيا الى بلدان أخرى مثل مصر والحجاز والشام، أثر بالغ فى موضوعية وعلمية كتاباته عن التاريخ وملاحظاته.
بسبب فكر ابن خلدون الدبلوماسى الحكيم، أرسل أكثر من مرة لحل نزاعات دولية، فقد عينه السلطان محمد بن الأحمر سفيراً الى أمير شتالة لعقد الصلح وبعد ذلك بأعوام استعان أهل دمشق به لطلب الأمان من الحاكم المغولى تيمور لنك.
وله مساهمة فعالة فى علم التربية الذى لم يكن معروفاً كعلم أكاديمى مستقل مثل اليوم، وقد عملت دراسات كثيرة حول فكره التربوى.
وكثير من الكتاب الغربيين وصفوا تقديم ابن خلدون للتاريخ بأنه أول تقديم لا دينى للتأريخ، وهو له تقدير كبير عندهم ربما تكون ترجمة حياة ابن خلدون من أكثر ترجمات شخصيات التاريخ الإسلامى توثيقاً بسبب المؤلف الذى وضعه ابن خلدون ليؤرخ لحياته وتجاربه ودعاه التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً. تحدث ابن خلدون فى هذا الكتاب عن الكثير من تفاصيل حياته المهنية فى مجال السياسة والتأليف والرحلات ولكنه لم يضمنها كثيراً تفاصيل حياته الشخصية والعائلية.
كان شمال افريقيا أيام ابن خلدون بعد سقوط دولة الموحدين تحكمه ثلاث أسر: المغرب كان تحت سيطرة المرينيين، غرب الجزائر كان تحت سيطرة آل عبدالودود، تونس وشرق الجزائر وبرقة تحت سيطرة الحفصيين. التصارع بين هذه الدول الثلاث كان على أشده للسيطرة ما أمكن من المغرب الكبير ولكن تميزت فترة الحفصيين بإشعاع ثقافى باهر وكان المشرق العربى فى أحلك الظروف آنذاك يمزقه التتار والتدهور.
أما الخصال الإسلامية لشخصية ابن خلدون، أسلوبه الحكيم فى التعامل مع تيمور لنك مثلاً، وذكاؤه وكرمه، وغيرها من الصفات التى أدت فى نهاية المطاف لنجاته من هذه المحنة، تجعل من التعريف عملاً متميزاً عن غيره من نصوص أدب المذكرات العربية والعالمية، فنحن نرى هنا الملاح الاسلامية لعالم كبير واجه المحن بصبر وشجاعة وذكاء ولباقة، ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.
وللحديث بقية
رئيس حزب الوفد