فى لقائه منذ أيام مع أعضاء مجلس الهيئات القضائية أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى حرصه على ترسيخ دولة القانون، اتفاقاً مع أحكام الدستور التى أرست مبادئ الفصل بين السلطات بما يتضمنه ذلك من إنفاذ العدالة على الجميع، واحترام استقلال القضاء وصون حرمته.. وفى أكثر من مناسبة سابقة شدد الرئيس على هذا المبدأ إلى حد أنه أعلن أنه كرئيس للدولة ليس فوق المساءلة فى إشارة وتأكيد واضح إلى أهمية أن تتحول مصر إلى دولة قانون، على اعتبار أن احترام القانون والأحكام القضائية من أهم ملامح الدولة المدنية الحديثة التى يسعى السيسى منذ بداية توليه المسئولية إلى تحقيقه على شتى المسارات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.
ترسيخ دولة القانون ركيزة أساسية فى تحولات الدول وإذا نظرنا إلى الديمقراطيات الراسخة فى أوروبا نجد أنها بدأت بترسيخ القانون، وعلى سبيل المثال نجد أن فرنسا بعد تحريرها من الغزو النازى وبمجرد دخول شارل ديجول إلى باريس، سأل عن أحوال البلاد ومؤسساتها فأخبره بأنها بأسوأ حال، فسأل سؤاله الشهير: هل القضاء بخير؟! فقالوا له: نعم.. فقال مقولته الشهيرة «إذا كان القضاء بخير ففرنسا بخير»، أيضاً تكرر نفس الأمر فى بريطانيا عندما سأل تشرشل عن حال القضاء فى البلاد بعد أن تسببت الحرب فى تدهور اقتصادى شديد، وأدت إلى انتشار الجرائم وظواهر اجتماعية جديدة على سلوك المجتمع البريطانى، وعندما جاءه الرد بأن القضاء بخير.. فجاء رده بأن العدالة قادرة على أن تصبح بريطانيا بخير.
أيضاً من القواعد الراسخة أنه لا يمكن لأى دولة التمتع بالديمقراطية والحرية دون أن يسود بها القانون.. ويرى البعض أن سيادة القانون شرط مسبق للديمقراطية، بحيث تصبح المساواة القانونية لكل الأفراد فى الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس المكانة الاجتماعية أو الدين أو العرق أو الانتماءات السياسية، وتصبح قواعد راسخة فى المجتمع ولا يمكن لأى سلطة أو مؤسسة أن تمارس أعمالاً تعسفية ضد أى فئة أو فرد فى المجتمع خارج نطاق القانون المنظم لعملها، ويشعر الفرد بالتمتع بالحريات المدنية قانوناً ما دام لم يرتكب مخالفة أو جريمة نص عليها القانون.
هنا يشعر الفرد بالمساواة والعدالة داخل وطنه وفى مجال عمله، ويشعر أيضاً أن الجهد والعمل والكفاءة هى المعايير السائدة فى المجتمع بعيداً عن معايير الرشوة والواسطة والمحسوبية التى سادت لعقود طويلة وكانت سبباً رئيسياً فى هجرة كفاءات وعقول نابغة إلى الخارج وإحباط همم وعزائم آخرين استمروا داخل الوطن وفقدوا الأمل فى العدالة حتى بتنا أمام مجتمع يتراجع فى شتى المجالات وعلى كل المستويات وانحصرت أحلام الشباب فى الهجرة إلى الخارج، وأصبحنا مجتمع مقاهى تستنزف الشباب وتسببت فى تدنى السلوك والأخلاق، ورأينا فى السنوات القليلة الماضية كيف تحولت التكنولوجيا والثورة فى عالم الاتصالات إلى نقمة على الشباب والمجتمع المصرى عندما استخدمت «السوشيال ميديا» والمواقع وغيرها فى أعمال الإرهاب والتحريض ونشر الدعارة والإدمان والشائعات وتعميق الخلافات داخل المجتمع.
كل هذا وأكثر حدث بعد أن غاب القانون فى المجتمع المصرى لسنوات طويلة وبعد أن أصبح هناك أشخاص فوق القانون.. وقل إن شئت تصنع القانون، ورأينا بعض رجال الأعمال النافذين داخل مجلس الشعب سابقاً يطرحون مشروعات قوانين لخدمة مصالحهم الشخصية وتحصين ثرواتهم اعتماداً على امتلاكهم الأغلبية فى البرلمان.
أيضاً هناك شخصيات لديها شبكة علاقات تجعلها أقوى من القانون من خلال بعض الفاسدين فى السلطة لتعطيل القانون.
لقد آن الأوان أن تتحول مصر إلى دولة قانون يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات حتى تنهض على شتى المستويات.. ولا يعقل أن يدعو رئيس الجمهورية فى مناسبات عديدة إلى ترسيخ دولة القانون، وتقوم الأجهزة المعنية وعلى رأسها جهاز الرقابة الإدارية بملاحقة الفساد ليل نهار فى كل مكان على أرض مصر، ثم نجد البعض ما زال يعيش بمنطق العصر البائد لتعطيل دولة القانون والمؤسسات