لا يزال شيء من الفرحة يسكن قلب الصغير أحمد دوابشة؛ لأن من حوله في غرفة العناية المكثفة في أحد المستشفيات الإسرائيلية، أخبروه أن والدته “ريهام” نزلت إلى السوق لشراء ملابس العيد له، وأن عليه أن ينتظرها.
تناسى أحمد جروحه الحرجة التي غطت جسده الصغير؛ من أجل فرحة العيد، ورؤية أمه بعد غياب طويل، لكنه لا يعلم أن الجميع رحل؛ والديه وشقيقه الرضيع، وتركوه وحيداً.
العائلة كلها وقعت في الحرج أمام أحمد في أيام عيد الأضحى المبارك، حين كرر سؤالهم: “أين أمي، وأين ملابس العيد؟”.
لا يعلم أحمد حتى اليوم مصير والديه وشقيقه الرضيع، الذين قضوا من جراء إقدام مستوطنين على حرق منزلهم، في قرية دوما، بالقرب من مدينة نابلس في الضفة المحتلة، أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي.
أصيب أحمد بحروق حرجة في جميع مناطق جسده، وقد أجريت له عملية “زراعة جلد”، وسيحتاج مدة طويلة من أجل أن يتعافى.
ويخبر سمير دوابشة المتحدث باسم العائلة، أن حالة أحمد تتحسن، وأنه الآن يتلقى العلاج في مستشفى “تل هشومير” الإسرائيلي.
يعتقد أحمد أن والديه يتلقيان العلاج مثله، لذلك هو فرح بالعيد؛ لأن أمه أيضاً في طريقها إليه بالملابس الجديدة.
يواسي الطفل نفسه، تخدعه ابتسامات المحيطين بسريره في المستشفى، ويضطر هو إلى التبسم لهم، لا يملك غير ذلك.
الرضيع “علي” شقيقه توفي في الحريق فوراً، ثم لحقه والده “سعد” في مستشفى سوروكا بمدينة بئر السبع، بعد أن تعرض جسمه لحروق من الدرجة الثالثة و80% الأضرار التي لحقت في جسمه بشكل عام، وتوفيت لاحقاً الأم “ريهام” بعد دخولها مرحلة موت سريري.
حين يعلم أحمد بكل هذا سيصب قار غضبه على الجميع، سيكون حزيناً لرحيلهم، وسيكون حزيناً لرحيل العيد.
تحاول العائلة التخفيف من مصاب أحمد، بزيارته في المستشفى على الدوام، وتضطر في أغلب الأحيان إلى تقديم الهدايا والألعاب له، وفق “سمير الدوابشة”.
قد تكون العائلة أسعدته حيناً، لكنها قد لا تنجح في بعث الأمل لديه من جديد، فجرحه غائر، وسيكبر معه، سيكبر بلا شك.
يقول المتحدث باسم العائلة ، إنه جرى تكريم شهداء المحرقة في أحد مساجد قرية دوما، بعد صلاة العيد، ثم زيارة أحمد لتهنئته بالعيد.
يشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كان قد أعلن الحداد الرسمي لمدة 3 أيام على روح والدة أحمد “ريهام” التي قضت متأثرة بحروق أصيبت بها خلال الاعتداء، الذي استخدم فيه المستوطنون زجاجات حارقة سريعة الاشتعال داخل منزل عائلتها في دوما.
وفي محاولته لامتصاص الغضب الفلسطيني والعالمي من جراء جريمة حرق العائلة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل هاتفياً بالرئيس عباس للتهدئة، وقال له: “إن الشعب الإسرائيلي بأسره مصدوم من الاعتداء الإرهابي الإجرامي على عائلة دوابشة”.
ودولياً، وصف الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قتل الرضيع الفلسطيني دوابشة بالعمل الإرهابي، وانتقد “العجز المستمر عن إنهاء حالة الإفلات من العقاب على أعمال عنف متكررة يرتكبها مستوطنون”.
كما أعرب مجلس الأمن عن إدانته جريمة حرق الرضيع دوابشة بأشد العبارات ووصفها بـ “الهجوم الإرهابي والوحشي”، في حين طالب الاتحادُ الأوروبي الحكومة الإسرائيلية بعدم التهاون مع المستوطنين أو التسامح مع أعمال العنف التي يرتكبونها، ودعا إلى محاسبة الجناة وتطبيق القوانين، فيما أدانت وزارة الخارجية الأمريكية الجريمة واصفة إياها بأنها “هجوم إرهابي مروع وشرير”.
أما على صعيد السلطة الفلسطينية، فقد حمّلت إسرائيل مسؤولية الجريمة، وقررت قيادتها التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يدين هجمات المستوطنين على القرى الفلسطينية، ووضع ملف المستوطنات بأراضي فلسطين المحتلة أمام المجلس. وأكدت الرئاسة الفلسطينية بدْأها إجراءات مع قانونيين لرفع جريمة حرق دوابشة للمحكمة الجنائية الدولية.