نون والقلم

روبرت فورد يكتب: ماذا بعد الانسحاب الأميركي من سوريا؟

ربما بمقدور القراء في منطقة الشرق الأوسط سماع الصرخات التي انطلقت من مسؤولين ومحللين أميركيين في واشنطن بخصوص قرار الرئيس دونالد ترمب، سحب جنود أميركيين من شرقي سوريا. ويتعين عليّ هنا الاعتذار عن جهاز الأمن الوطني في بلادي، فقد علم مسؤولو وزارتي الدفاع والخارجية القرار عندما أطلق الرئيس تغريدة تضمنت القرار في 19 ديسمبر (كانون الأول).
ويحق للقراء التساؤل: أين التنسيق داخل المنظومة المعنية بالسياسة الخارجية الأميركية؟ في الواقع، هذا التنسيق مهمة مستشار الأمن الوطني جون بولتون والموظفين العشرة المعاونين له داخل مجلس الأمن الوطني بالبيت الأبيض. ويتحمل هؤلاء مسؤولية إخطار وزارتي الدفاع والخارجية بقرارات الرئيس.
أما أن تعلم الوزارتان بأمر قرار الرئيس من خلال تغريدة عبر «تويتر» فهذا أمر يتعذر تصديقه. والأمر الذي لا يقل استغراباً عدم إخبار الحلفاء الأكراد والعرب داخل قوات سوريا الديمقراطية، ومن المحتمل أن يترتب عليه سقوط ضحايا أكراد. كان أكراد سوريا بحاجة إلى إبرام اتفاق سياسي جيد مع الأسد قبل أن يظهر قرار الانسحاب ذلك على السطح.
ويمثل توقيت إعلان القرار مشكلة، لكن تبقى مسألة ما إذا كان قرار الانسحاب يخدم مصالح الولايات المتحدة قضية أخرى. من جانبهم، يقول منتقدو ترمب إن انسحابه يمنح النصر في الحرب السورية لروسيا وإيران وبشار الأسد. ويرفضون قبول أن الأسد وحلفاءه انتصروا بالفعل في الحرب. الشهر الماضي، سمعت مسؤولاً أميركياً بارزاً يتحدث خلال مؤتمر استضافته دول شرق أوسطية حول أن الأسد ليس بمقدوره الانتصار لأن الأميركيين يسيطرون على 30% من سوريا وحقول النفط بها. لكن الحقيقة الأكبر أن الأسد وحلفاءه يسيطرون على معظم أرجاء سوريا وجميع المدن الكبرى بالبلاد. كما أنهم على قدر من القوة يمكّنهم من رفض المقترحات السياسية لمبعوث الأمم المتحدة وعدم تكبد ثمن باهظ مقابل ذلك. أما الأميركيون، فإنهم يسيطرون على الصحارى ومدينة الرقة التي تعاني بالفعل مشكلات أمنية بين قوات سوريا الديمقراطية والسكان المحليين. وربما تعمد الاستخبارات السورية إلى تأجيج هذه التوترات.
وتتمثل حقيقة أخرى في أن حقول النفط لا تشكل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الأسد، فهي لا توفر أموالاً كافية لإعادة بناء سوريا. جدير بالذكر أن إيرادات النفط السوري عام 2009، أي قبل الثورة، بلغت 3.2 مليار دولار، تبعاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. الآن، تحتاج سوريا إلى 300 مليار دولار على الأقل لجهود إعادة البناء، حسب تقديرات البنك الدولي. ويحتاج الأسد إلى أموال ضخمة من الخليج وآسيا وأوروبا. والأهم من ذلك أن الأسد وكبار مسؤوليه لا يأبهون من الأساس لعملية إعادة إعمار سوريا، وإنما سيعملون على معاونة مناطق قليلة مهمة لهم سياسياً ويقمعون المظاهرات في مناطق أخرى من البلاد.
ربما لا يكون ترمب الرئيس الأميركي الأذكى، لكنه أدرك الاختلاف بين الآمال الأميركية غير الواقعية والنتائج المحتملة لعملية عسكرية طويلة الأمد داخل بيئة عصيبة. كما أنه أدرك التأثير السلبي على المشهد السياسي الداخلي حال تعرض القوات الأميركية شرق سوريا لسقوط أعداد كبيرة من الضحايا على غرار ما تعرضت له قوات مشاة البحرية في بيروت عام 1983، وهل هناك مَن يشكّ لحظة في أن بشار الأسد وقوات الحرس الثوري الإيراني ستتعاون مع جماعة «داعش» لمهاجمة الأميركيين شرق سوريا؟
ويتوقع بعض المسؤولين الأميركيين الذين استقالوا أو سربوا انتقادات إلى وسائل الإعلام أن «داعش» سيزداد قوة من جديد. وهذا أمر محتمل بالفعل، خصوصاً أن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاونت «داعش» لا تزال قائمة. كما أن آيديولوجية هذه الجماعة لا تزال قائمة هي الأخرى. وليس بإمكان وزارة الدفاع أو الخارجية تفسير كيف أن 2000 جندي أميركي وبضعة دبلوماسيين أميركيين سيتمكنون من إصلاح مشكلات سوريا وإقناع حكومتي دمشق وأنقرة بقبول المنطقة الكردية السورية ذات الحكم الذاتي من أجل استمرار قوات سوريا الديمقراطية في عملياتها العسكرية في مواجهة ضد «داعش». ويبدو هذا حلماً لطيفاً، لكن من السخف الاعتقاد أنه سيتحقق في المستقبل القريب.
لطالما انتقدتُ وحشية حكومة الأسد وجرائم الحرب التي ارتكبتها، لكنني حزين للغاية بأن أعترف أنه في نهاية المطاف فإن الحكومة السورية فقط هي القادرة على تحمل مسؤولية اجتثاث من غرب وشرق البلاد على المدى البعيد.
وأصبح التساؤل الآن ما إذا كانت الحكومة السورية قادرة على النجاح في مواجهة «داعش». وسيكون من الأفضل لو أن حكومة الأسد تعمل مع قوات سوريا الديمقراطية، لكن واشنطن ليست باستطاعتها السيطرة على دمشق. وقد أصدر ترمب القرار بمعاونة الأسد في مواجهة «داعش»، والسعي للتأثير على الأسد من خلال جيرانه الأقرب. ولدى هذه الدول فهم أفضل لسوريا و«داعش» من الأميركيين الذين لا يزال يدور تفكيرهم حول العراق منذ 10 سنوات، وليس سوريا اليوم. وبالتالي نجد أن النتيجة التي خلص إليها ترمب ربما لا تكون بالبساطة التي بدت عليه للوهلة الأولى.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط السعودية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى