نون والقلم

عدنان كامل صلاح يكتب: انسحاب أميركي.. فوضى أميركية

الانسحاب الأميركي المفاجىء من سوريا لن يؤدي الى تيسير الحلول للوضع السوري الشـديد التعقيد، إذ إن أميركا ستترك، عند انسحابها، مساحة واسعة (حوالي ثلث مساحة سوريا) تغري اللاعبين على الأرض السورية، بمن فيهم نظام الأسد، للدخول في منافسة دموية فيما بينهم عليها، وتجعل من سياسة الإدارة الأميركية المعلنة من أنها تسعى الى تقليص التمدد الإيراني في أراضي جيرانها محل تساؤل وحيرة. فإيران أحد اللاعبين الرئيسيين في سوريا، وهي القوة الثانية، بعد الاتحاد الروسي، على الأرض السورية أكان بمستشاريها أو مرتزقتها الكثيرين، وكان بإمكان التواجد المباشر للأمريكيين أن يساهم في تقليص نفوذ إيران داخل سوريا ويعطل توسعه.

الأميركيون يتبعون سياسة غير مفهومة في علاقتهم بسوريا، ويتخذون مواقف تؤدي، ظاهرياً على الأقل، الى الإضرار بمصالحهم ومصالح حلفائهم وأصدقائهم في المنطقة. وحين أعلن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عن خط أحمر، وتجاوزه النظام السوري، اعتقد الكثيرون أن إجراء رادعاً سيتخذه الأميركيون ضد نظام دمشق، إلا أن أوباما تراجع علناً عن خطه الأحمر وتقدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للبحث عن حل يحافظ به على ماء وجه أوباما وهو يتقهقر عن سياسة «الخط الأحمر» التي أعلنها قبل ذلك. وكان الحل من موسكو مقابل ثمن دفعته سوريا وهو توسع عسكري روسي كبير وهيمنة على القرار السوري عسكرياً وسياسياً.

واليوم يسحب دونالد ترمب القوات الأميركية، قليلة العدد، بعد مكالمة له مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي سأله عن موعد انسحاب القوات الأميركية من سوريا فكان جواب ترمب العملي الإعلان عن ذلك الانسحاب السريع، متجاهلاً كل التحذيرات والاعتراضات من مستشاريه العسكريين والمدنيين. وما يتوقع أن يحدث الآن هو تنافس دموي محموم على ملء الفراغ من قبل داعش وأخواتها من الحركات المشابهة بالإضافة الى النظام البعثي و(المستشارين) الإيرانيين والمرتزقة التابعين لهم والقوات الروسية وعشرات الفرق الأخرى المتواجدة على الأرض السورية. وأما تركيا فقد تحظى بشريط حدودي يحقق لها مطالبها بحدود مع أكراد سوريا تهيمن قواتها عليه.

إلا أن المستفيدين الرئيسيين سيكونان روسيا وإيران، مما يجعل وضعنا الشرق أوسطي أكثر تعقيداً ومليئاً باحتمالات عديدة.

هناك صراع عنيف، في أميركا، بين اليمين (ممثلاً بدونالد ترمب والحزب الجمهوري) واليسار (ممثلاً في وسائل الإعلام الرئيسية والحزب الديمقراطي) حيث يسعى اليسار لمنع اليمين القادم الجديد للحكم من تغيير دفة السياسة الأميركية بقيمها وتوجهاتها بينما يصر اليمين على القضاء على كل ما بناه اليسار داخل أميركا وخارجها وإقامة نظام جديد محله. لذا فإن السياسة الخارجية الأميركية تتأثر بالصراع الداخلي في واشنطن وتعكس بعض توجهاتها، ومن مصلحة الأطراف غير الأميركية أن تبعد نفسها قدر المستطاع عن التأثيرات الأميركية الحالية. وكمثال فإن قرار ترمب المفاجىء بسحب القوات الأميركية من سوريا يعرّض الأكراد السوريين الذين تعاونوا مع هذه القوات لاحتمالات إبادة حذرهم منها الرئيس التركي وتوعدتهم بها «داعش».

نقلا عن صحيفة المدينة

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى