نون والقلم

شريف قنديل يكتب: ذئاب إسرائيل تتأهب للحقول العربية!

هذا حديث ليس عن فلسطين، ولا عن الحقوق المغتصبة، ولا عن القدس والمسجد الأسير، ولا عن غزة وأبشع محنة إنسانية، ولا عن الضفة، ولا عن يافا أو حيفا أو عن أي مدينة فلسطينية!

هذا الحديث عن إسرائيل التي نعرفها ويعرفها العالم كله، بما فيه أمريكا، والمناسبة صدور قرار الخزانة الأمريكية بتوقيع عقوبات على جنرال إسرائيلي متقاعد ثبت تورطه في تأجيج النزاع بجنوب السودان!

والذي حدث أنه فيما كانت المصادر الإسرائيلية تتحدَّث عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء نتنياهو إلى الخرطوم، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الجنرال الإسرائيلي المتقاعد «إسرائيل زيف»، لتورطه في إحداث الوقيعة بين الأطراف السودانية من خلال تزويد هذه الأطراف بالأسلحة!

ووفقاً لما جاء في التحقيقات الأمريكية، فإن «زيف» هو مالك لمجموعة استشارات أمنية، وشركة زراعية، اتخذهما «كغطاء لبيع أسلحة بما في ذلك بنادق وقاذفات القنابل وصواريخ محمولة على الكتف»، بحيث يتحول جنوب السودان وما حوله إلى مستنقعات من الدم!

هذا في الحقيقة ما نعرفه عن إسرائيل، فهل تعرفون شيئاً جديداً عنها؟!

ووفقًا لبيان الخزانة الأمريكية، فإن الجنرال خطط ونفذ من خلال الرشى والوعود بالدعم الأمني، لتنظيم هجمات من قِبَل المرتزقة على حقول النفط والبنى التحتية في جنوب السودان، في محاولة لخلق مشكلة تستطيع شركته فقط حلها. هذه إسرائيل التي نعرفها منذ وعينا على الدنيا مع هدم مدرسة بحر البقر، حتى أمس!

وقالت وكيلة وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية «سيغال ماندلكر»: «إنّ وزارة الخزانة تستهدف الأفراد الذين قدموا جنودًا ومدرعات لتأجيج الصراع في جنوب السودان، حيث اندلع النزاع الدموي خمسة أعوام بعدما اتهم الرئيس «سلفا كير» نائبه آنذاك «رياك مشار» بالتخطيط للانقلاب عليه، وخلفت الحرب عشرات الآلاف من القتلى، وأدت إلى نزوح نحو أربعة ملايين في وقت انهار اقتصاد الدولة الغنية بالنفط.

قبل سنوات، توجهتُ إلى نيجيريا أثناء الاضطرابات التي حدثت فور إعلان «أبا سانجو» رئيساً، وأجريتُ مقابلة مع حفيد «أحمد بيلو»، رئيس وزراء الإقليم الشمالي الذي سألوه ذات يوم عن «إسرائيل» فأجاب: لا أعرف ما هي! فلما سألت الحفيد عن «نيجيريا» أجاب: لقد تحوَّلت إلى ملعب للصهاينة.

في نيجيريا، يعرف الجميع أن العبث الصهيونى في بلادهم ببناء رجل أعمال إسرائيلي هو في الأغلب «جنرال متقاعد» فندق «نيكون نوجا» في مدخل العاصمة الجديدة «أيامها» ليطل بطوابقه العشرة كما يقول «د. عمر بيلو» على «صخرة زوما» رمز السيادة النيجيرية!

وسرعان ما توالت سلسلة الفنادق الحديثة في العاصمتين القديمة والجديدة من خلال رجل الأعمال الإسرائيلي «نسيم جوان»!

هكذا كان «نسيم» نيجيريا الإسرائيلي مثلما كان «زيفي» جنوب السودان.. فنادق واستثمارات وأمن وطرق وزراعة وتعاون في كل مجال، نهايته الفتن السياسية والحروب الأهلية الدموية، التي لا مجال لحلها سوى الاستعانة برجال إسرائيل!

لقد كان من بين الشركات الصهيونية العاملة فى نيجيريا هذا المجال كما قرأت في مجلة «نيوزدوتش» النيجيرية شركة كبرى للتشييد وأخرى للطرق والمباني، ومن خلالهما تم هدم أواصر الأخوّة بين المسلمين وبعضهم من جهة، وبينهم وبين إخوتهم المسيحيين من كل الجهات عبر الطرق الإسرائيلية المعتادة في تأجيج الصراعات والانقسامات الداخلية.

ويضيف «عمر بيلو» مُحذِّرا أن الشركات الاستثمارية الإسرائيلية تستخدم في المشروعات الإسكانية نفس التقنية وخطط البناء التي تستخدمها في بناء المستوطنات بالضفة الغربية، حيث تتمكَّن شركات البناء الصهيونية من إنجاز عدد كبير من الوحدات السكنية في حدود ثلاثة أشهر فقط!

وفي الزراعة ووفقا للتجربة النيجيرية، وشبيهتها المصرية في عهد الدكتور يوسف والي، يتمكن الخبراء الإسرائيليون من إقناع زبائنهم من خلال التقاوي التي تُضَاعِف الإنتاج، والمبيدات والهرمونات التي تُكبِّر الثمرات، والميكنة التي تُوفِّر الوقت والجهد على المزارعين.. وفي النهاية انعدام للمحاصيل القومية، ومنتجات بلا رائحة ولا طعم، وسهرات للفلاحين حول التلفزيون!

هل قلتُ حرفاً واحداً عن القدس أو غزة أو أي مدينة فلسطينية؟، لقد تجاوز اليقين بعودة أرض فلسطين كل حرف، بفعل المقاومة الباسلة لأبنائها.. أطفالاً وشباباً، ونساءً ورجالاً.. والمشكلة الآن -كما يبدو لي- تكمن في المدن العربية المؤهلة لالتهام الذئاب الإسرائيلية!

المشكلة باختصار في أولئك الذين يرون إسرائيل أخرى غير تلك التي نراها كل يوم وساعة، ويعرفون إسرائيل أخرى غير التي نعرفها ويعرفها العالم كله! المشكلة فيمن يرونها حتى الآن دولة ديمقراطية عادلة ومتسامحة، لا كيان عنصري غاصب وعدواني ومحتل!

المشكلة الآن، فيمن يُحبّون إسرائيل على حساب جفاف حقولنا وحلوقنا.. يُسابقون الزمن لمجيئها وتربُّعها في بيوتنا، ويتركوا أجيالنا في صحراء الذكرى والندم!

ينتابني القلق.. ولهؤلاء أقول: أخشى ألا أكون فقط شاهداً على فتنة قادمة، وإنما حطبها المحترق!

نقلا عن صحيفة المدينة

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى