واضح تمامًا أن هناك اتجاها داخل مجلس الشيوخ الأمريكي يستهدف المملكة العربية السعودية، ويتضح ذلك جليًّا من خلال القرارات الأخيرة التي اتخذها أعضاء المجلس من (الديمقراطيين والجمهوريين)، والتي اتخذت من مقتل (خاشقجي) ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية السعودية. وقد ردت السعودية بقوة على تلك القرارات؛ حيث أكدت وزارة الخارجية السعودية (أن مقتل الصحفي جمال خاشقجي جريمة مرفوضة ولا تعبر عن سياسة المملكة ولا نهج مؤسساتها)، مؤكدة في الوقت ذاته (رفضها أي محاولة للخروج بالقضية عن مسار العدالة في المملكة).
وعلى الرغم من أن بيان السعودية شكر الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب على الموقف العقلاني تجاه الموضوع، وعدم التسرع في إصدار الأحكام ضد السعودية، فإنه لا يمكن المراهنة كثيرا على موقف (البيت الأبيض) إزاء الحملة الشرسة التي تتعرض لها الشقيقة السعودية من أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب. وتبدو الصورة كما لو كان هؤلاء الأعضاء يصفون حسابات سياسية ويستهدفون الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بقصد إضعاف مواقفه الحازمة ضد إيران، من خلال توجيه الضربات إلى حلفائه في المنطقة وعلى رأسهم (السعودية) تماما مثلما يفعلون مع (ترامب) في قضية (التدخل الروسي) في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح (ترامب) كما يزعمون.
إذن، الرئيس (ترامب) هو المستهدف من قرارات مجلس الشيوخ الأمريكي الأخيرة ضمن الحسابات (التكتيكية) داخل البيت السياسي الأمريكي. لكن لا يغيب عن بالنا أن هناك حسابات (استراتيجية) أمريكية أخرى في المواقف الأمريكية من (السعودية)، ليس فقط داخل مجلسي الشيوخ والنواب، بل داخل (وكالة الاستخبارات الأمريكية) أيضا، ويتمثل في التحرك لإضعاف الدور المحوري الذي تقوم به (السعودية) في صياغة التحالفات العسكرية والسياسية والاقتصادية بعيدا عن الوصاية الأمريكية.
إنهم يدركون أن السعودية هي التي وقفت بقوة ضد ثورات الفوضى وما أسموه بـ(الربيع العربي) وأحبطت المشروع الأمريكي (الأوبامي) لإسقاط الأنظمة العربية، وإقامة دويلات طائفية وعرقية في كل بلد عربي؛ لذا فإنهم الآن يقدمون على تصفية حسابات سابقة مع السعودية. لقد بدأوا بالحلقات الأضعف وفشلوا؛ لذا فإنهم هذه المرة يبدأون بالحلقة الأقوى (السعودية) ويريدون تحطيمها بأي شكل لكي يفتكوا بالدول العربية والخليجية الأخرى.