دوشة فنية

حنان أبو الضياء تكتب : «السترات الصفر» فى السينما على طريقة « برتولوتشى»و « باتريك روتمان» 

«السترات الصفر» بما تشكّل من تعبير عن مشاكل الطبقة الوسطى ربما لن تكتفي فقط بجذب الانتباه ولكنها قد تحلم بأكثر من ذلك كما حدث فى ثورة الشباب 1068 ، وبالطبع ليس حتميّاً أن يتمكّن هذا الحراك من الوصول إلى البرلمان كما فعل «البوجاديّون»قبله بحوالي ستّة عقود حين أوصلوا أكثر من 50 نائباً إلى البرلمان الفرنسيّ. وخاصة أن المظاهرات الحالية ليس به فنانين داعمين لها  يقدمون أعملا فنية رائعة كما حدث فى 68 مع المظاهرات الطلّابيّة ؛ فهل سترسم السينما رؤيتها وتقول رأيها فى الصراع بين الإليزيه و «السترات الصفر» ربّما .

ولأن السينما هي ذاكرة الشعوب فهذا يقربك ويفسر لك بعضاً مما يحدث الآن؛ وفي الحقيقة أن مظاهرات الطلاب 68 في فرنسا بها أبعاد كثيرة مع ممايحدث فى فرنسا الان ؛والأفلام التي قدمت عنها كانت ذات أبعاد مؤثرة علي المجتمع بأكمله واستطاعت رصد ما حدث بشكل يقربك من واقع الأحداث ؛كما مع المخرج الفرنسي باتريك روتمان وفيلمه «68» المعتمد علي كم هائل من الوثائق المصورة، النادرة التي نراها للمرة الأولي، منها لقطات بالألوان لانتفاضة مايو 1968 في باريس.

والذي كان مشاركاً فيها وشاهداً عليها لكونه طالبا في السوربون في ذلك الوقت من 1968 عام الثورة والغضب والتمرد والاحتجاج ضد الفقر والظلم والتفرقة العنصرية، والأهم مقدماً الثورة من أجل الفكر الجديد والنظام التعليمي المتقدم والاعتراف بالحقوق المدنية، مستعرضاً الأغاني السياسية الغاضبة لجيمي هندركس وبوب ديلان وجيم موريسون وجانيس جوبلن، فنري تدخل الشرطة العنيف الذي يقابله التحام واتحاد العمال مع الطلاب والمثقفين، الذي أدي بنا إلي الإضراب العام متنقلاً بين باريس وبراغ وواشنطن والمكسيك،لنري انتفاضة «ربيع براغ» في تشيكوسلوفاكيا ضد البيروقراطية السوفيتية، وزعيم الحركة وزعيم الحزب الشيوعي ألكسندر دوبتشك، منتهياً بمصرع الثائر العظيم جيفارا.

الحالمون

الطريف أن الفيلم أظهر أن ما يحدث فى العالم فى آى بلد الان  هو ما حدث بالأمس، ينقل الفيلم لك دخول القوات السوفيتية وقوات حلف وارسو براغ، وكيف واجهها السكان، واستعان الفيلم بالمقابلات المصورة من الفترة نفسها، والبرامج التليفزيونية والإذاعية والأغاني، إنه أحد الأفلام الوثائقية المعبرة عن الواقع والثورة في كل مكان، التي تبدأ دائماً بالطبقة المخملية، فالمظاهرات الباريسية انطلقت من مركز الفيلم الفرنسي La Cinémathèque française، بعد أن قام وزير الثقافة أندريه مالرو بإلغاء الدعم للمركز، مما أدي إلي خروج فنانين ومثقفين كبار إلي الشوارع للتظاهر؛وكان من بين المتظاهرين الخمسة آلاف، رواد حركةالموجة الجديدة Nouvelle Vague «فرانسوا تروفو، وآلان رينيه، وجون لوك جودار، وجون بيير لود، وكلود جيد كانت»، وكان جان بول سارتر في صفوف المتظاهرين الذين تعرضوا للضرب علي أيدي رجال الشرطة، يشهد بالتضامن بين السينمائيين والمثقفين، الذين لم يعودوا ينظرون إلي السينما باعتبارها وسيلة لإيهام الجماهير والسيطرة عليهم، بل وسيلة للتعبير ومؤيد للثورة الاجتماعية.المخرج الفرنسي الشهير أوليفييه أسايس له فيلمapres mai  «بعد مايو» أو something in the air

والفيلم يدور في أوساط مجموعات الطلاب الفوضويين واليساريين في باريس بعد فشل انتفاضة مايو 1968 في محاولة يائسة لاستعادة «الثورة» الطلابية الفوضوية الموجهة ضد الدولة، وفي خضم تلك الأحداث العنيفة، التي تشمل الحرق والتدمير والتفجيرات، تنشأ قصص حب، تنتهي نهايات متفاوتة.يأخذنا أوليفييه الي السبعينات، وما حملت معها من أحلام في مرحلة ما بعد «مايو68» أحلام تحطمت تدريجاً أمام النظام المفروض وذابت في شدة الأحداث معتمدا علي تفاصيل من سيرته الشخصية، عائداً إلي خصوصية مستنداً إلي تاريخ بلاده بنظرة نقدية، بعد سنوات من حدوثها وبالتالي تكون النظرة موضوعية بعيدة عن تأثير الأهواء الشخصية.

لقد بدأ كل شيء حين ذاك ليس بأرتفاع سعر الوقود كمتهو الان ولكن لقرارات حكومة شارل ديجول أبعاد  «هنري لانجلو» من رئاسة «السينماتك الفرنسية» فاندلعت ثورة السينمائيين، ممثلى جيل الموجة الفرنسية الجديدة، «جان لوك جودار»، و«فرانسوا تروفو» ورفاقهم، وأيدهم على المستوى العالمى  «شارلي شابلن» و«ستانلي كوبريك».كان الفنانون والسينمائيون أصحاب ادوار حقيقية فى تلك الثورة  وأمتلأت الجوائط بجرافيت الثورة «افتح نوافذ قلبك»، «انقل رغباتك للواقع»، «كن واقعيًا واطلب المستحيل»، وأستغل تلك الكلمات المخرج الفرنسي جان لوك جودار أثناء فعاليات دورة عام 1968 من «مهرجان كان»،  وكانت النتيجة انسحاب العديد من الأفلام احتجاجًا على عنف الشرطة وتضامنًا مع المظاهرات.

والغى «مهرجان كان». ثم قدم تروفو فيلمه «Stolen Kisses» قبلات مسروقة بطولة جان بيير ليود و كلود جاد أنطوان لتخليد أجواء مايو مع ان ان الفيلم اعتبر امتداداً لحياة «أنطوان»، حيث يعرض لنا فيه طبيعة حياته في تلك الأيام العصيبة في حياته المبكرة، وفشله في الارتباط بالفتاة التي يحب، معبراً بذلك عن إحساسه المتفاقم كشخص غير مرغوب فيه، ما يدفعه للالتحاق بالجيش والذي سرعان ما يسرحه، لعدم ملاءته الذهنية، لانشغالاته الدائمة بقراءة الروايات، إلا أن  أول مشاهد الفيلم  ترصد أبواب السينماتك الفرنسية الموصدة في استدعاء لبداية شرارة الاحتجاجات. وفى فيلمه «Tout Va Bien»  بطولة جين فوندا  وايف مونتان أستغل حكاية الإضراب العمالي المستوحى من أحداث 68.

القبلات المسروقة

وهناك فيلم الحالمون عام 2003 من إخراج برناردو برتولوتشي وكتابة جيلبير أدير وبطولة كلاً من إيفا جرين، ومايكل بيت، ولويس جاريل.والفيلم مقتبس من رواية جيلبيرت أدير «الأبرياء المقدسون» والتي تتناول مظاهر جيل ثورة 1968 في باريس، ومدى تمردهم على القيم الإجتماعية ؛ والطريف ان برتولوتش  تمنى أن يحدث ثورة  ثانية فى باريس عام 2003 عند عرض فيلمه الحالمون فقال عند عرض الفيلم : أود أن تصل “عدوى” الفيلم الى الشباب لأنني حاولت أن أروي لشباب اليوم ماذا كان ربيع 1968. كان لدى الشباب آنذاك حلم كبير وأمل عظيم. كان الجميع يرقدون في فراشهم على أمل أن يستيقظوا صباحاً وقد أصبحوا في المستقبل وتغيّر العالم وأصبح شيئاً مختلفـاً. اليوم، ربما، لا يوجـد لدى الشباب متّسع من الوقت للتفكير في خلق عالمهم الخاص بهم. ربما احتال التاريخ عليهم بعض الشيء وسرق منهم تلك الامكانية. لذلك فالشباب الثلاثة في فيلم «الحالمون» يطمحون الى إنجاز فيلمهم الخاص، سينما حياتهم المملوءة بالحركة وبالمساهمة، هم جزء من مجتمع كبير يتحرك، يغلي ويتطور. ربما لم يسر التطور في الشكل الذي كان أبناء ربيع 1968 يطمح إليه لكن العالم لم يعد نفسه الذي كان سائداً ما قبل ذلك التاريخ. برتولوتشي كان يرى أن  شباب اليوم محدود في إطار الطموحات الصغيرة. لم يعد الهم تغير العالم ليكون أفضل و الفيلم قراءة نقدية لربيع 1968 .

وهناك أفلام أخري اقتربت من تلك المظاهرات وعرضت في مصر ضمن احتفالية الفيلم الأوروبي ومنها الفيلم الفرنسي «الموت في الثلاثين»، إخراج رومان جوبيل، وتدور أحداثه حول إحدي الشهادات الفارقة المتعلقة بما أطلق عليه «ثورة الطلاب» في فرنسا عام 1968، وفيلم فرنسي آخر بعنوان «الهواء الأحمر»، من إخراج كريس ماركر، ويضم مقابلات مع عدد من القادة الشيوعيين، والطلاب، وعلماء الاجتماع، عما يطلق عليه «ربيع براغ» في العام ذاته، ويلقي الضوء علي الغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى