في 26 حزيران (يونيو) 1945 في سان فرانسيسكو، وُقع ميثاق الأمم المتحدة المُنشأ لهيئة الأمم المتحدة، وأصبح نافذاً في 24 تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته، متضمناً مقاصد الأمم المتحدة ومن بينها: جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك الغايات المشتركة المتمثلة في حفظ السلم والأمن الدولي، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون الدولي. كما تضمن الميثاق المبادئ التي تعمل الهيئة على أساسها، ومنها وهو ما يهمنا في هذا السياق: مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها، وعدم جواز التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما.
اليوم نرى مجلس الشيوخ الأميركي ينتهك هذه المقاصد والمبادئ الأممية التي تعتبر عماد القانون الدولي والعلاقات الدولية، باعتماده قرارين مسيئين لإدارة ترامب وللسعودية حول الوضع في اليمن وقضية المواطن السعودي جمال خاشقجي، هذان القراران غير الملزمين للإدارة الأميركية أشبه ما يكونان بتسجيل موقف من مجلس الشيوخ ضد ترامب والسعودية.
إن هذا الموقف المسيء للولايات المتحدة قبل أن يكون مسيئاً للسعودية، يبين أن هناك إشكالات لا تزال قائمة أفرزت مثل هذا القرار منها: تعارض بعض القوانين الأميركية مع القانون الدولي، فهذا القرار بالتأكيد يستند على نص قانوني وطني طالما أنه صادر عن جهاز تشريعي، وهذا النص القانوني الوطني حتماً يتعارض مع القانون الدولي، بدليل إفرازه مثل هذا القرار، وليس ببعيد أن تكون العلة ليست في النص القانوني، وإنما في تفسير ذلك النص، ومما يجدر ذكره أن الولايات المتحدة تأخذ بمبدأ أسبقية القوانين الدولية على القوانين الوطنية، وهو مبدأ دستوري لديها.
إشكال آخر يتمثل في وجود انقسامات مركبة أو متشعبة في الداخل الأميركي، تبينها المناكفات بين الديموقراطيين والجمهوريين، وكذلك بين الجمهوريين أنفسهم، ولم تقف هذه المناكفات عند حد التراشق الإعلامي، بل تجاوزت ذلك إلى استغلال بعض الأجهزة والإجراءات الرسمية من قبل حزب ضد آخر أو جماعة ضد أخرى. وأكثر من ذلك، أن هذه المناكفات تجاوزت الحدود الأميركية ملقيةً بظلالها على العلاقات الأميركية مع الدول الأخرى!
قد يسوّغ هذا الانقسام وتلك المناكفات التي نتج عنها تعدد المواقف تجاه السعودية بين إيجابيٍ وسلبي، التعامل مع الولايات المتحدة بانتقائية، كأن تقوم السعودية بقصر تعاملها مع الإدارة الأميركية، والامتناع عن التعامل مع مجلس الشيوخ الذي ثبت أنه يعبث بالقانون الدولي والعلاقات الدولية، قاصداً إحراج إدارة ترامب والإساءة للسعودية لا أكثر!
لا ينبغي أن نغفل أن هناك في مجلس الشيوخ عقليات لا تزال تعيش المنطق الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الأسبق للولايات المتحدة مادلين أولبرايت بقولها: «أميركا هي العالم، والعالم هو أميركا»، وربما هذا يضاف إلى الإشكالات التي ذكرتها آنفاً. لا أحد ينكر أن أميركا قوة عظمى والقطب الأوحد في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولكن هذا المنطق الإمبريالي يتعارض مع القيم التي تبشر بها أميركا، قبل أن يتعارض مع قواعد القانون الدولي والأعراف الدولية.