نون والقلم

خيرالله خيرالله يكتب: النظام السوري يروّج لنفسه

هناك كلام كثير في وسائل إعلام عربية ودولية عن إعادة الاعتبار الى النظام السوري وعن قرب عودة العرب الى التعاطي مع هذا النظام. من يروّج لمثل هذا الكلام هو النظام السوري نفسه الذي لا يريد مواجهة الواقع المتمثل في انّه صار في مزبلة التاريخ وان وجوده في دمشق مرتبط أولا وأخيراً بوضع نفسه في حماية الايراني والروسي في الوقت ذاته.

مرّة أخرى، لا بدّ من تصحيح خطأ شائع في أساسه ان في الإمكان الفصل بين النظام السوري وايران. مثل هذا الفصل من باب المستحيل. العلاقة بين الجانبين عضوية ولا يمكن الرهان بأيّ شكل عن امكان تقديم اغراءات الى النظام السوري كي يبتعد عن ايران. مثل هذا الامر ليس واردا اليوم ولا يمكن ان يكون وارداً غداً.

في الماضي القريب، اعتبرت جهات عربية عدة، صادقة مع نفسها، انّ ثمة تقصيراً عربياً في حقّ النظام السوري وانّ هذا التقصير كان وراء ارتماء النظام في حضن ايران. مثل هذه الجهات العربية لا تأخذ في الاعتبار تحوّل النظام السوري شيئا فشيئا الى مجرد امتداد للنظام الايراني وذلك منذ اليوم الذي سهّل فيه حافظ الأسد الاب دخول «الحرس الثوري» الى منطقة البقاع اللبناني، الى بعلبك تحديداً واحتلاله احدى ثكنات الجيش اللبناني. كان ذلك في العام 1982. كانت الحجة وقتذاك الاجتياح الإسرائيلي للبنان ورغبة ايران – الخميني في المشاركة في مواجهة هذا الاجتياح. كان سماح النظام السوري بدخول «الحرس الثوري» الى لبنان امتدادا لدعم حافظ الأسد ايران في حربها مع العراق في العام 1980 بحجة ان صدّام حسين كان وراء اندلاع تلك الحرب.

ما لا مفرّ من الاعتراف به ان الأسد الاب حافظ على نوع من التوازن في علاقاته مع الدول العربية، خصوصا دول الخليج. وجدت دول الخليج فيه عنصر توازن مع صدّام حسين الذي تميزت شخصيته بالتهوّر وبمقدار كبير من الجهل في التوازنات الإقليمية والدولية. عرف حافظ الأسد كيف يستخدم شخصية البعثي الآخر الذي يحكم العراق في ابتزاز العرب. استخدم عملياً علاقته بايران وشخصية صدّام خير ابتزاز.

لم يقطع العرب علاقتهم به في العام 1980 عندما وقف مع ايران ضدّ العراق لدى اندلاع الحرب بين البلدين. امتنع عن الذهاب بعيدا جدّا في التورط مع ايران. يدلّ على ذلك رفضه تزويد «الجمهورية الإسلامية» صواريخ بعيدة المدى لقصف المدن العراقية في خلال حرب السنوات الثماني. عوّض الأسد الاب الايرانيين عن طريق التدخل لدى معمّر القذافي الذي ارسل صواريخ الى ايران. سقط عدد لا بأس به من هذه الصواريخ الليبية المصدرعلى بغداد. كانت هناك علاقة قديمة وعميقة بين ايران و«جماهيرية» معمّر القذافي. وهذا ما يفسّر الى حد كبير غياب أي اهتمام إيراني حقيقي في يوم من الايّام في قضية تغييب الامام موسى الصدر الذي خطفته السلطات الليبية مع رفيقيه صيف العام 1978. كان ذلك في مرحلة ما قبل سقوط الشاه واعداد آية الله الخميني نفسه لتولي شؤون ايران ابتداء من فبراير من العام 1979.

ابقى حافظ الأسد العلاقة السورية – الايرانية ضمن اطار محدّد. أراد ان تبقى له اليد الطولى في لبنان. كان هناك مسؤولون سوريون بينهم ضباط كبار مثل غازي كنعان يسعون الى وضع حدّ للنفوذ الايراني في لبنان. تظل حادثة ثكنة فتح الله الواقعة في منطقة البسطا في بيروت، حيث اعدم الجيش السوري اثنين وعشرين شابا من عناصر «حزب الله» في العام 1987، دليلا على رغبة النظام السوري في عدم افلات لبنان كلّه منه في مرحلة كان يسعى فيها الى استعادة هيمنته على البلد.

في عهد بشار الأسد الابن تغيّر الكثير. من لديه ادنى شكّ في ذلك يستطيع العودة الى الاعجاب لدى الأسد الابن بحسن نصرالله الذي فتحت له أبواب دمشق. لم يكن تفجير موكب رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005 سوى عملية مشتركة بين الايرانيين ممثلين بـ«حزب الله» والأجهزة السورية حسب البيان الاتهامي للمحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق الذي سعى الى إعادة لبنان الى خريطة المنطقة والعالم عبر إعادة الحياة الى بيروت.

من الضروري العودة الى الماضي القريب بين حين وآخر من دون تجاهل الواقع. المقصود بالواقع هو وضع سورية حاليا. تقع سورية تحت خمس وصايات. روسية، إيرانية، أميركية، تركية، إسرائيلية. من يعتقد ان النظام السوري الموجود في بلد يعاني من خمس وصايات ستقوم له قيامة في يوم من الايّام، فهو يعيش في عالم آخر. اذا كان هذا النظام يلعب دورا في الداخل اللبناني، فالفضل في ذلك يعود الى «حزب الله».

يحاول الحزب أحيانا رفع معنويات بشار الأسد عن طريق إقناعه بانّ اللبنانيين من يتامى عهد الوصاية السورية ما زالوا أحياء يرزقون وان هناك من يوفّر لهم الحماية عندما يتمرّدون على الدولة اللبنانية ومؤسساتها ويشتمون سعد الحريري ووليد جنبلاط.

حاولت المملكة العربية السعودية في العام 2009 استيعاب بشّار الأسد. زار رئيس النظام السوري الرياض كما زار الملك عبدالله بن عبدالعزيز دمشق. ذهب سعد الحريري الى دمشق. وجاء بشّار الى بيروت. حصل كلّ ذلك في إطار السعي الى مصالحة لبنانية – سورية تقوم على ابتعاد النظام السوري عن ايران. تبيّن بكلّ بساطة ان البحث عن فكّ للارتباط بين النظام السوري و«الجمهورية الإسلامية» أقرب الى بحث عن سراب.

جاءت الثورة السورية في مارس 2011 ودخول «الجمهورية الإسلامية» مباشرة على خط المشاركة في الحرب على الشعب السوري لتؤكد ان ايران تعتبر سورية جرما يدور في فلكها. جاءت بعد ذلك المشاركة الروسية المباشرة في الحرب على الشعب السوري ابتداء من سبتمبر 2015 لتعطي فكرة عن مدى التورط الايراني في الحرب على الشعب السوري من جهة والجهود المبذولة لتغيير طبيعة التركيبة السكانية في سورية. ما لا يمكن تجاهله في ايّ وقت ان التدخل الروسي في سورية كان بناء على طلب ايران وبالتنسيق المباشر معها في كلّ وقت.

لن يتغيّر شيء في سورية ما دام هذا النظام قائماً. كلّ ما تبقّى تفاصيل. يظل السؤال الوحيد الذي له معنى كيف ستنتهي المواجهة الأميركية – الايرانية؟ في ضوء ما ستنتهي اليه هذه المواجهة سيتحدد مصير سورية والنظام الذي لم يعد أكثر من نظام تابع. لا يشبه هذا النظام سوى الأنظمة التي كانت تحكم دول أوروبا الشرقية، مثل نظام تشاوشيسكو في رومانيا، والتي انتهت مع نهاية الاتحاد السوفياتي…

نقلا عن صحيفة الراي الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى