هوجة مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا، والتى امتدت إلى بلجيكا وهولندا وإيطاليا والتى هى بلا زعيم وبلا حزب وبلا نقابة هى مجرد حركة شعبوية وصلت إلى المطالبة بإسقاط الرئيس ماكرون أو حل البرلمان، وهى مجرد نموذج لمطالبات الفوضى حين تعم وتنتشر، ولكن وسط فصول تلك الهوجة تتناثر بضعة شعارات تعبر عن رغبات واحتياجات احتضنها العقل الجماعى طويلا وتمثل لمحات (اجتماعية) واضحة رغم أن الكتلة الرئيسية لمفجرى احتجاجات السترات الصفراء غير أيديولوجية بالمرة، ولكنها أعادت بما أشاعته الطرح الطبقى إلى الجدل السياسى العام.
ومن دون فلسفة كان أحد الشعارات التى لفتتنى المطالبة بتفعيل ضريبة الثروة مرة أخرى، وهى مسألة لها مقاربات عديدة فى البلاد التى شهدت مناقشات حولها مثل الجزائر والمغرب وتركيا ومصر أيضا منذ نحو 6 أشهر حين ذاع مقترح معهد التخطيط القومى بفرض ضريبة على الثروة يتم تحصيلها مرة واحدة فى عمر الممول، كما قدم النائب كمال أحمد طلباً بتطبيقها فى مصر، ولكن ذلك لم يحدث، وأظن أن سبب عدم تطبيق تلك الضريبة فى بلدنا يتعلق بعدم تحديد الفئة المقصودة أو حجمها، والتى ذكر مشروع قانون نظر فى الجزائر أنها تشمل من تفوق ثروته 50 مليون جنيه جزائرى، أو مالكى خيول السباق والطائرات الخاصة أو تجار المجوهرات، والتى يمكن أن نضم إليهم فى مصر أصحاب الشركات العملاقة ووكلاء الشركات العالمية الكبرى وأصحاب امتيازات التعدين أو استخراج المواد الطبيعية.
وطبعا لابد فى فلسفة هذه الضريبة أن نذكر ونشرح للناس أن هناك فجوة ضريبية فى مصر تزايدت من جراء عملية يناير عام 2011 وفوضاها التى اندلعت فى البلد، كما سيطلع علينا من يقول إن فرض ضريبة جديدة ليس عمليا ونحن نشكو من عدم تحصيل الضرائب العادية، وهذا كلام لا معنى له، إذ ينبغى تحصيل الضرائب العادية والإضافية، وبالذات تلك التى تتعلق بأصحاب الثروات الكبرى فى البلاد، والتى ستحاصر ذلك الشعور بالإهانة الاجتماعية الذى يحسه الناس وهم يرون إعلانات الشقق والفيللات بالملايين، وأماكن اللهو المقصورة على الأثرياء فى مطاعم وملاه وأفراح لا بل وتذاكر لحضور حفلات هذا المطرب أو ذاك.. هناك احتياج فعلى لاقتراح ضريبة الثروة فى مصر وإعادة طرحها على البرلمان أسوة بفرنسا.. التى لم تك يوما شيوعية أو ناصرية.