نون والقلم

محمد علي فرحات يكتب: كعب أخيل اللبناني

لا موعد واضحاً لتشكيل الحكومة اللبنانية، ولا تقدير لأهمية الزمن حين يأنس القادة الى حكومة تصريف الأعمال المحدودة الصلاحية.

أخبار ذات صلة

وحين يأتي المبعوثون الأجانب لا يرون من يجتمعون به سوى رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة، أي الرؤوس الثلاثة للشرعية اللبنانية التي يفترض بعد التنسيق أن تكون على قلب رجل واحد، وأن تقدم نفسها واضحة أمام مندوبي الدول العربية والأجنبية وسفرائها المعتمدين في بيروت. الواقع ان هذه الشرعية المثلثة تأتلف وتختلف بحسب المصالح الرئيسية لكل رأس من رؤوسها، وفي ذلك أخطار يشعر بها المواطن اللبناني ولا يعرف سبيلاً الى الحد منها او تجاوزها، فكأنه أمام أقدار ثلاثة مفروضة عليه لا أمام رؤساء ثلاثة يمكن الضغط عليهم، بل حتى تغييرهم بالانتخابات.

إنه الشكل الديموقراطي في لبنان، يبدو حقيقياً في محطات معينة من الحياة السياسية لكنه يبدو وهماً أو شكلاً من أشكال المباهاة في معظم المحطات. هذا وطن محكوم عبر طبقات من السلطات، محلية واقليمية ودولية، واتفاق هذه السلطات على بقائه هي ما يبقيه لأن شطبه عن الخريطة يستتبع تغييرات لا يستطيع هضمها جيرانه، إسرائيل وسورية المتعددة الرؤوس المتفجرة الرؤوس. ومنذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ تتوالى نكبات الشعب اللبناني الذي لم يتح له وقت كاف لاستيعاب انتمائه الى وطن مستقلّ والى توحيد معنى المواطنة بين أبنائه المتعددي التجارب السياسية والاجتماعية والثقافية، بل الاقتصادية ايضاً.

فجأة يبدو تشكيل الحكومة مستحيلاً ثم فجأة يبدو ممكناً وسهلاً كأن الحكومة يؤلفها سياسيون سويسريون لا لبنانيون ينامون يومياً ويستيقظون على مفاجآت الغضب والرضى. آخر الأخبار السياسية، ولنقل الإحساس السياسي، في لبنان، أن الرئيس سعد الحريري سيشكل حكومته الموعودة بعد خسارة نسبية تلحق به وبرئيس الجمهورية ميشال عون وبتراجع نسبي من «حزب الله» وثبات في مواقع رئيس البرلمان نبيه بري والزعيم وليد جنبلاط ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع وزعيم «المردة» سليمان فرنجية. وكم سيبدو المشهد بسيطاً وسهل القراءة بعد التشكيل بحيث يسأل المواطنون انفسهم او لا يسألون: لماذا كل هذه الأزمة بوطأتها السلبية على السياسة والاقتصاد والأحوال النفسية للبناني العادي الذي وضعه السياسيون الكبار في موضع المقبل على انتحار إجباري لا اختياري كما هي أحوال المنتحرين.

لبنان يؤكد صورته التي تبلورت منذ أواسط القرن التاسع عشر، إنه وطن طارد لسكانه ومستقبل لسكان آخرين يأتون إليه من الداخل العربي، الراحل يترك مكانه للوافد، ويحتاج الأمر الى عقود ليندمج اللبنانيون الجدد في ثقافة التنوع ويحسوا أنهم جزء منها وليسوا طارئين عليها.

قضية فلسطين المتقادمة وقضيتا سورية والعراق الساخنتان تطبقان على الجغرافيا اللبنانية مكاناً وبشراً. وينسى متابعو أزمة تشكيل الحكومة أنها حين تتشكل لن تقدم جديداً، فهي مختصر للبرلمان وجامعة لقواه السياسية وعاجزة عن اتخاذ اي قرار إلا بالإجماع. أليس من العسف اعتبار مثل هذه الحكومة سلطة تنفيذية كما هي حكومات العالم؟

حكومة جديدة ستبدو قديمة منذ أيامها الأولى، وسيبقى رعاة الوطن اللبناني الاقليميون والعالميون يمارسون رعايتهم بالضغط على السياسيين وعلى مصدري الأمر باستخدام السلاح.

ولكن، لا ينتبه كثيرون الى كعب أخيل اللبناني، كما هو كعب أخيل اليوناني في ملحمة الإلياذة. النقطة الوحيدة التي تسبب مقتل البطل سواء كان فرداً او وطناً.

كعب أخيل اللبناني هو الاقتصاد.

نقلا عن صحيفة الحياة

 

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى