غير دقيق ولا صحيح على الإطلاق أن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» حركة تحرر وطني، وذلك لأنها إذا كانت كذلك بالفعل، فإنه عليها أن تكون محايدة بالنسبة لكل هذا الصراع الذي تشهده هذه المنطقة. فهذه الحركة – وهذا معروف ومؤكد ومعترف به – هي امتداد لـ«الإخوان المسلمين»، وهي ملتزمة ومنضبطة بتعليمات وتوجيهات، وأيضاً بـ«أوامر» التنظيم العالمي الإخواني، مثلها مثل أي فرع تابع له، إنْ في هذه المنطقة العربية، وإنْ في الإطار الإسلامي، وإنْ في العالم بأسره.
إنه بالإمكان وصف حركة «فتح»، ومعها «الجبهة الشعبية»، وغيرهما من الفصائل المنضوية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بأنها حركات تحرر وطني، من حقها أن تنأى بنفسها عن كل هذه الصراعات التي تشهدها هذه المنطقة، وبخاصة منذ عام 2011 وحتى الآن، أما بالنسبة لـ«حماس» فإن هذا لا يمكن أن ينطبق عليها، طالما أنها تابعة للتنظيم العالمي لـ«الإخوان»، وأنها أحد فروعه، والمعروف أن هذا التنظيم متورط في كل هذه الصراعات، وأنه لم يكن – ولا في أي يوم من الأيام – محايداً، إنْ في هذه المرحلة الشديدة الاستقطاب، وإنْ سابقاً، عندما كان هناك شرقٌ وغرب، وكان هناك معسكر غربي رأسمالي ومعسكر شرقي اشتراكي أو شيوعي، وكان هناك عرب يصفون أنفسهم بأنهم تقدميون، يقابلهم عرب يُتَّهَمون بأنهم «رجعيون»!
منذ اللحظات الأولى، التي ظهر فيها تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر، على يد مؤسسه حسن البنا، ومعه مجموعة في هذا الاتجاه نفسه، فإنه كان منحازاً ضد الشرق الشيوعي، وكان أكثر من حليف للمعسكر الغربي. والمعروف أن هذا التنظيم كان قد تحالف مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ثم ما لبث أن انقلب عليه وحاول اغتياله، وهذا – حسب ما قيل ولا يزال يقال – تنفيذاً لتوجهات أميركية، وأيضاً بريطانية وفرنسية، على اعتبار أن ما سُمي العدوان الثلاثي على مصر الناصرية في عام 1957، كانت قد شاركت فيه فرنسا وبريطانيا إلى جانب إسرائيل.
ولعل ما أصبح معروفاً، هو أن تنظيم «الإخوان» قد بقي زئبقياً وبكل مواقفه، وأنه كان مرة هنا وكان مرة أخرى هناك.
وحتى بالنسبة للأردن، البلد الذي احتضن «الإخوان»، عندما اشتد عليهم ضغط المعادلات الإقليمية، فإنهم ما إن استردوا بعض أنفاسهم السابقة كتنظيم عالمي، بعد بدء «الربيع العربي» وانتزاعهم للحكم من الرئيس حسني مبارك، حتى انقلبوا عليه، أي على الأردن، ونزلوا إلى ساحة المسجد الحسيني، كما نزل «إخوانهم» المصريون إلى ميدان التحرير في القاهرة، وفرضوا مرشحهم الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر.
لكن ولأن الأردن له أسلوبه الخاص، وطريقته الخاصة في التعامل مع مثل هذه الحالات، فإن مواجهته لهم، كان بتفجيرهم تنظيمياً من داخلهم؛ حيث أصبح هناك الآن تنظيم إخواني بديل باسم: «جمعية جماعة الإخوان المسلمين»، كما أصبحت هناك تشظيات وتكتلات تنظيمية وغير تنظيمية متعددة، كل منها يلعن الآخر ويتهمه بالتخاذل وبالتآمر، وبأمور كثيرة أخرى!
ولذلك، فكيف يمكن يا ترى أن تكون «حماس» هذه، التي هي الفرع «الإخواني» الفلسطيني، والتي لم تُخفِ التزامها بالتنظيم العالمي، وهذا كان قد قاله خالد مشعل عشرات المرات، وقاله معظم قادتها علناً وعلى رؤوس الأشهاد، حركة تحرر وطني، من المفترض أنه لا يجوز ولا يحق لها أن تكون جزءاً من هذه التمحورات والاستقطابات، وأيضاً المواجهات والحروب التي تشهدها هذه المنطقة؟!
لو أن هذا الذي تقوله «حماس» صحيح، فإنه لا يجوز لها أن تكون طرفاً في استقطابات وتمحورات هذه المنطقة، وأن تكون ملتزمة كل هذا الالتزام الصارم بكل خطوة خطاها «الإخوان المسلمون»، وأيضاً لَمَا أقامت قيادتها في «الدوحة» وعلى الرحب والسعة إلى جانب يوسف القرضاوي، وأيضاً لَمَا حاربت كل حروب الشقيقة «قطر» وتحالفت مع كل تحالفاتها، ولَمَا أدارت ظهرها للمملكة العربية السعودية، التي كانت ولا تزال أهم داعم للقضية الفلسطينية، مالياً وسياسياً وبكل شيء.
هل من الممكن أن يصدق أي معني بهذه الأمور أن «حماس» حركة تحرر وطني، وليس لها أي علاقة بكل هذه الاستقطابات والتمحورات التي تشهدها هذه المنطقة، بينما هي تلتصق بإيران كل هذا الالتصاق الذي لا يتجاوزه ولا يزيد عنه، إلا التصاق «حزب الله» اللبناني، والتصاق «الحشد الشعبي» العراقي؟ وحيث هي وبأوامر من قطر ومن طهران قد عادت صاغرة إلى بيت الطاعة السوري، بعد ابتعادٍ استمر لنحو أربعة أعوام، وكل هذا مع أنَّ مخيم اليرموك الفلسطيني قد أصبح مجرد كومة من الحجارة والأتربة، ومع أن هذا النظام السوري لا رأي ولا قرار له في سوريا، وأن القرار بيد قاسم سليماني، وأيضاً بيد قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري؟
لو أن «حماس» فعلاً حركة تحرر وطني، فلِمَ التزمت، ليس بتوجيهات، وإنما بأوامر الدوحة والشيخ يوسف القرضاوي و«الإخوان» المقيمين في إسطنبول؟ ولمَ انسحبت من اتفاق مكة المكرمة الذي وقعه عام 2007 الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ومعه خالد مشعل وإسماعيل هنية، برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من توقيعه؟
ثم لماذا يا ترى استقبلت حركة «حماس» أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني في غزة استقبال الأباطرة والملوك، وهي تعرف أنه متورط في مؤامرة مكشوفة للقضاء على السلطة الوطنية الفلسطينية، وللتخلص من الرئيس محمود عباس (أبو مازن) سياسياً؟ ثم هل قادة هذه الحركة: خالد مشعل، وإسماعيل هنية، وموسى أبو مرزوق، لا يعرفون أن هناك محوراً جرى تشكيله من الإمارة القطرية وإيران ونظام بشار الأسد وتركيا؟! وأن حركتهم جزء منه، على اعتبار أنها فرع من فروع «الإخوان المسلمين»، «التنظيم العالمي»؟
وهكذا، لو أن «حماس» حركة تحرر وطني بالفعل، وأنها لا علاقة لها بكل هذه التمحورات والتكتلات الجهوية والإقليمية، فلمَ بقيت ترفض الانضواء في منظمة التحرير الفلسطينية، التي تم الاعتراف بها، عربياً ودولياً، على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟ وأيضاً لمَ بقيت تضع كل هذه العراقيل أمام سلسلة المفاوضات التي جرت في القاهرة وفي غيرها بينها وبين حركة «فتح»، التي هي من فجرت الثورة المعاصرة، وأطلقت الكفاح الفلسطيني المسلح؟
ثم لماذا يا ترى خصَّت قطر «الشقيقة» حركة «حماس» وحدها وعبر القنوات الإسرائيلية بملايين الدولارات، في حين أن المفترض أن هذا الدعم «القطري» يجب أن يكون للسلطة الوطنية التي هي للشعب الفلسطيني كله؟ ألا يعني هذا أن هناك محوراً تقوده «الدوحة» وأن «حماس»، باعتبارها فرعاً لـ«الإخوان المسلمين»، جزء أساسي فيه، أي في هذا المحور، وإلى جانب إيران وتركيا، ولاحقاً نظام بشار الأسد، وأيضاً وبالطبع جماعة «الحوثيين» في اليمن؟!
وعليه، فلو أن «حماس» حركة تحرر وطني، ومن المفترض أنها مستقلة، فلمَ بقيت تتذرع بحجج واهية للتملص من التفاهم مع حركة «فتح»، وللتهرب من الالتحاق بمنظمة التحرير، التي هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني؟ ولمَ بقيت تتمسك بواقع ما بعد انقلابها الدموي في عام 2007 على السلطة الوطنية الفلسطينية؟ ولمَ انخرطت في كل هذه المفاوضات السرية الانفرادية مع الإسرائيليين ومع الأميركيين أيضاً بخصوص «صفقة القرن» التي كان قد أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورفضتها القيادة الفلسطينية الشرعية، ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)؟
لقد ثبت بعد مفاوضات القاهرة الفاشلة الأخيرة، أن هذه الحركة منخرطة «جانبياً» في مشروع تآمري، نعم تآمري، بدعمٍ من التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» ومن قطر، وربما من تركيا أيضاً، لتكون الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة وحده، وعلى أساس «صفقة القرن» الآنفة الذكر، وعلى أنْ يُترك وضع الضفة الغربية للمستقبل البعيد، مما يعني أن بنيامين نتنياهو سينفذ كل ما يريده، إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه الآن!
222 4 دقائق