فيما كانت قضية «الداعية الدعي» يونس قنديل تتفاعل في الأردن، كانت قضية «الداعية المدعي» طارق رمضان تتفاعل في فرنسا وأوروبا… الأول؛ جعل من نفسه أضحوكة، مثيرة لمزيج من مشاعر الرثاء والسخط، والثاني؛ جعل من نفسه مدعاة للسخرية والتندر… الأول؛ بفعلته النكراء حين فبرك مسرحية اختطافه وتعذيبه، في تعبير مَرَضي عن الرغبة في «الحضور»، والثاني؛ بفعلته النكراء أيضاً، حين أقدم على مقارفة جرم «الاغتصاب/ الزنا»، بخلاف السيل المنجرف الذي أطلقه واعظاً ومبشراً بفضائل الأخلاق وقيم التدين.
لا يهمني أمر الرجلين على الإطلاق، ولا الوظيفة التي تنطح كل منهما لأدائها، مع أنه من حيث الشكل، كلاهما زعم أنه يقود حركة الاجتهاد والتجديد في الخطاب الديني، وأنهما يتوليان مسؤولية عصرنة الإسلام وتحديثه، ومقاومة التطرف والغلو … وكلاهما، نجح في نسج أوثق الصلات المُريبة مع عواصم إقليمية ودولية، فكان صوتها وسيفها في كثير من المحافل والمنصات، ولغايات في نفس يعقوب، المزدحمة على ما يبدو بالغايات الدفينة!
ما يهمني هنا حصراً، الطريقة التي أثيرت بها النقاشات حول الرجلين والقضيتين … في الحالتين، وجد قنديل ورمضان، قبل أن يتعرضا لتجربة السجن ولوائح الاتهام النظامية، من يحمل عليهما لخطابهما «التجديدي»، مع الفارق الكبير في المؤهلات الشخصية لكلا الرجلين، إذ يبدو قنديل إلى جانب رمضان، كموظف إداري وليس كمثقف وداعية … كلاهما قوبل بحملات تحريض، تخطت شخصيتهما إلى فكرتيهما، وتياريهما … وبلغ التحريض ضفاف التكفير والتخوين في كثير من الأحيان، وأُخذت مدارس وتيارات فكرية برمتها، بجريرتيهما.
كلاهما، وبعد أن تكشفت بشأنهما حقائق مروّعة، تعكس انفصام شخصيتيهما وازدواجهما، أطلقا موجات واسعة من الجدل الساخن البالغ حافة الاشتباك … في أوروبا، كان السعي واضحاً، من قبل أصوليين متشددين وعلمانيين متشددين كذلك (يا للمفارقة) للانقضاض على تيارات ومدارس فكرية بعينها، من خلال أبشع حملات التوظيف لاتهامات (واعترافات) الاعتداء الجنسي المتكرر، في حالة رمضان، سواء بالاغتصاب وتلكم جريمة بالمعنى القانوني، أو بالتراضي وتلكم جريمة بالمعنى الديني (الزنا)… أو من خلال الانقضاض على التيار العلماني بمجمله كما في حالة قنديل بعد اكتشاف فضيحته أو مسرحيته السمجة.
في حالة رمضان، نجح الرجل، بجهد شخصي، مدعوم بحاجة دول أوروبية لاستصدار طبعة جديدة من «الإسلام السياسي – الاجتماعي»، في أن يصبح نجماً في السماوات الأوروبية، وأن يجرجر خلفه مئات وألوف الأتباع والأنصار، إلى أن تكشفت الفضيحة، فـ «صار صرحاً من خيال وهوى» وفقاً لتعبير الإسلامي الموريتاني محمد مختار الشنقيطي.
وفي حالة قنديل، أو بالأحرى في حالة منظمته، فالرجل لا مواهب شخصية مميزة لديه، خارج إطار الإدارة وتنفيذ التعليمات … نجح الرجل على رأس المنظمة «التنفيذي»، مدعوماً بسخاء من أحد المحاور العربية والإقليمية، في أن يستقطب العشرات والمئات من كبار المثقفين العرب، ومن الأسماء اللامعة والمجددة، ومن عدة مذاهب، بعضهم أعرفه شخصياً، وأعتز بصداقته، وأتمنى عليه أن «يرعوي»، وان يراجع حساباته، فـ«ليس كل ما يبرق ذهباً».
كان بالإمكان تحميل الرجلين وزر أعمالهما فقط، وعدم السماح باستطالة الاتهامات وتطاولها لتشمل تيارات ومدارس فكرية، إسلامية وعلمانية سواء بسواء … وكان بالإمكان الإقرار بأنهما أيضاً، بشرٌ خطّاؤون … لكن بعضنا ممن اعتاد التعميم، أراد تعميم الاتهامات، وبلغة تحريضية متبادلة، فيها من التكفير والتسفيه والتخوين، أكثر مما فيها من الحقائق الباردة والمعرفة المفيدة … لعلنا نستفيد من درس قنديل في الأردن … ولعلنا نستفيد من درس رمضان في أوروبا … لعلنا نلجم اندفاعاتنا الغريزية، ونترك لعقلنا البارد ومشاعرنا الحارة، التحكم بتفكيرنا وأنماط سلوكنا وردود أفعالنا.