الواضح من لقاءات القمة الثلاثية التي جمعت قادة مصر واليونان وقبرص في مدينة الإسكندرية، أننا إزاء مشروع حلف ثلاثي جديد، يجمع الدول الثلاث على عدد من الأهداف المحددة المشتركة، أولها تنمية إمكانات الدول الثلاث وقدراتها من الغاز الطبيعي الذي تم اكتشافه سواء شرق المتوسط وأهمها حقل ظهر في مصر وحقل أفروديت في قبرص.
أو في أي مناطق أخرى قريبة، مثل حقلي نورس في مياه الدقهلية شمال دمياط وحقول شمال الإسكندرية الثلاثة على عمق 70 متراً داخل المتوسط. وحقل اوتول شمال دمياط لتصل إلى معدلات إنتاجها القصوى من الغاز في أسرع وقت ممكن.
وثانيها تجهيز إمكانات الدول الثلاث الغازية كي تدخل شريكاً في سوق الاتحاد الأوروبي للطاقة تعوض نقص إمداداته التي يتواصل هبوط معدلات إنتاجها المحلي في حقول النرويج وهولندا وإنجلترا بنسب عالية، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يستورد 65 بالمئة من احتياجاته للطاقة، 43 بالمئة منها يأتي من روسيا، بما يجعل دول الاتحاد الأوروبي أكثر حرصاً على تنويع مصادرها من الطاقة، وأكثر رغبة في تصحيح سوقها العالمي بما يجعله أكثر توازناً.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي أدهشه قدرة المصريين الفائقة على سرعة استثمار حقل ظهر.
وجد في قصة نجاح حقل ظهر ما يجعله أكثر اطمئناناً لوجود بديل متاح، في موقع جغرافي عبقري، شديد القرب من أوروبا يساعده على تصحيح السوق الأوروبية، بعد أن تمكن المصريون في زمن قياسي لم يحدث من قبل من حسن استثمار حقل ظهر الذي تم اكتشافه في أغسطس عام 2015 ليبدأ إنتاجه المبكر في ديسمبر 2017 بإنتاج 350 مليون قدم مكعبة في اليوم، تم استخراجها من أول بئرين في الحقل بعد 28 شهراً من حدث الاكتشاف.
وفي غضون هذين العامين تم إنفاق 5 مليارات دولار تمثل تكاليف حفر أول بئرين وهي تكاليف جد باهظة؛ لأن الحفر يصل إلى مسافة 2500 متر من عمق قاع البحر، فضلاً عن 1500 متر أخرى تمثل عمق المياه فوق سطح الأرض، إضافة إلى تكاليف إنشاء منصة التحكم في آبار الحقل.
وقريباً سوف يصل إنتاج حقل ظهر إلى مليار و200 مليون قدم مكعبة يومياً، تضخها سبع آبار تم حفرها، بمتوسط إنتاج يصل إلى 400 مليون قدم مكعبة في اليوم للبئر الواحدة توازي أعلى المعدلات العالمية، وقبل نهاية هذا العام سوف تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
وتمتنع من الاستيراد من الخارج؛ لأن حقل ظهر حقل ضخم وعفي يملك قدرة ضغط عالية، تؤكد أن سقف إنتاجه الأعلى يصل إلى مليارين و700 مليون قدم مكعبة يومياً، متى وصل عدد آبار الحقل إلى 20 بئراً ليغطى احتياجات مصر ويكفي لتصدير فائض إلى الخارج لأكثر من 20 عاماً قادمة، بإذن الله.
كان حقل ظهر الذي يصل حجم احتياطياته إلى 30 تريليون قدم مكعبة في اليوم أحد العوامل الرئيسية التي شجعت الأوروبيين على الاعتماد على غاز شرق المتوسط؛ لإحداث توازن في سوق الطاقة الأوروبي.
وكان حقل أفروديت القبرصي الذي لم تبدأ بعد عمليات استثماره باحتياطياته التي تصل إلى 4.5 تريليونات قدم مكعبة عاملاً مشجعاً زاد من آمال الأوروبيين في تغطية احتياجاتهم المتزايدة من الطاقة، في ظروف يقل فيها حجم إنتاج أوروبا من حقول غاز الشمال وإنجلترا التي قارب بعضها على النفاد.
ويطمئن الأوروبيون على إمكانية تنويع مصادرهم من الغاز الطبيعي؛ اعتماداً على شرق المتوسط الذي يعزز إمكانياته وجود حقل كبير آخر في لبنان لم يستثمر بعد، وحقول أقل حجماً أمام الساحلين الفلسطيني والسوري.
استناداً إلى هذه الحقائق، يمكن أن نؤكد على عدد من المبادئ الأساسية تشكل إطاراً للتعاون الاستراتيجي بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، أولها أن أوروبا تجد من مصلحتها الأساسية الاعتماد على غاز شرق المتوسط في تأمين وتنويع احتياجاتها من الطاقة.
كما أن من مصلحتها أن تصبح مصر مركزاً إقليمياً لتداول الطاقة بسبب القرب الجغرافي وتوافر إمكانات عديدة في مصر، وثانيها أن العلاقات بين مصر وقبرص واليونان تشكل حلفاً مهماً يزيد من فرص تعاون مصر والاتحاد الأوروبي في مجالات عديدة أبرزها الطاقة، وثالثها أن انضمام مصر لمجموعة عمل غاز شرق المتوسط، يزيد من آفاق التعاون الإقليمي.