قضية تجديد الخطاب الدينى ستظل محل جدل لمدة سنوات قادمة ولن نصل فيها الى حل.. ولن يحدث أى تجديد، طالما بقينا فى علاج الظاهر وتركنا الجوهر فى هذه القضية وطالما اهتمامنا منصب على مجرد الكلمات والندوات الانشائية والاجتماعات الوظيفية بدون ان نحدد ماذا نريد بالتحديد.
فهل القضية تعنى ان هناك قواعد دينية تحتاج الى تجديد دون ان نحدد ما هى هذه القواعد وإن كنا نعنى بالفتاوى التى تصدر من رجال الدين او من يتصدون للإفتاء والتى تنعكس على تصرفات المسلمين اليومية سواء مع بعضهم او مع مختلفى الديانة وتتحكم فى تصرفاتهم الظاهرية.
وإن كنا نعنى بقضية التجديد التصدى للممارسات الارهابية التى يتهم بها المسلمون دون غيرهم والتى ادت الى اشتعال الصراعات فى المنطقة العربية وانتشرت الحروب الاهلية فى البلدان المسلمة او التى بها أقلية مسلمة.
ام القضية هى تنقية النصوص الدينية او تفسيراتها التى تحض على العنف والارهاب وترفض فكرة الاختلاف وتدعم النظرة العنصرية ضد مختلفى الديانة ام هى ظاهرة الاسراع فى فتاوى التكفير ضد كل من يختلف معنا وتقابلها فتاوى اخرى تنص على الطاعة العمياء لولى الامر او الأمير مهما فعل وتعطيه الحق المطلق فى فعل ما يشاء فى الرعية والتى حولت الحكام الى انصاف آلهة.
ام ما نريده بها هو استعادة الاخلاق التى نص عليها الدين الإسلامى فى المعاملات بين المسلمين وبين المسلمين وغيرهم من البشر والتى كانت اهم سبب من اسباب انتشار الاسلام فى الشرق والغرب وقتها كانت هناك ايضا قضايا جدلية اكثر من المطروح اليوم لكن اخلاق ومعاملات المسلمين كانت الفيصل الاول فى اتساع رقعتهم.
يجب ان نحدد بالتحديد ما هو المقصود بمصطلح تجديد الخطاب الدينى ونتفق عليه وعلى اساسه نبدأ العمل من خلال مجموعات عمل من رجال الدين وكبار المثقفين والمسئولين فى الازهر الشريف ودار الافتاء لوضع آليات لتجديد الخطاب بعد ازالة الاسباب التى ادت الى ظهور الخطاب بهذا الشكل الذى نطالب بتجديده.
والفكر الدينى المتجدد يحتاج الى حرية فى التعبير عن الآراء وطرح الاجتهادات بكل صراحة بدون تخويف او تكفير من الغير، فطالما كنا قادرين على ان نعبر عن رأينا بحرية وبدون خوف سوف نصل الى ما نريد وسوف ننجح فى الوصول الى هدفنا الذى نريده.
فالحوار المفتوح والهادئ أساس اى تطور، والحرية هى الحصن الذى يتحصن فيه كل مبدع طالما امن على نفسه من السجن او التكفير والحرية هى العلاج الوحيد للتطرف والتعصب لأن القاعدة الاسلامية تقول «انت حر اذ لم تضر» وهى نفس القاعدة التى تبناها العالم المتقدم الذى وصل فى معاملاته بين شعوبه ومع الآخرين من الدول الى قمة الرقى الاخلاقى.
وصدق الامام محمد عبده عندما قال «رأيت بلادا بها اسلام ولا يوجد بها مسلمون» نحن الآن اصبحنا بلادا تدعى انها اسلامية ولا يوجد بها مسلمون يتمتعون بأخلاق الاسلام واحترام الجزء الثانى من شريعته وهى «المعاملات» فقط نهتم بالعبادات كمظهر يدل على اننا متدينون فى حين معاملاتنا تؤكد عكس مظهرنا.
يجب علينا ان نحدد ما نريد بدقة فى هذه القضية حتى نصل الى حلول محل اتفاق من الجميع المسئولين ورجال الدين والمثقفين والاعلاميين والسياسيين وأى جهد سوف يبذل دون هذا يعد اهدارا للوقت وستبقى القضية محل جدل عشرات السنين.