يخطئ من يعتقد أن عملية التحول الديمقراطى، يمكن أن تحدث بقرارات سيادية أو بين عشية وضحاها.. وإنما هى عملية ممتدة فى سلسلة حلقات بهدف إحداث تغييرات مجتمعية على شتى المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بهدف ترسيخ قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون باعتبارها ركائز الدول الديمقراطية الحديثة.
ومما لا شك فيه أن الدستور المصرى الجديد الذى أقره الشعب بعد ثورة الثلاثين من يونيو قد أسس لبناء دولة مدنية حديثة على شتى المستويات اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وأعقبه إجراء انتخابات برلمانية كخطوة أولى فى البناء السياسى الجديد لتحرير نصوص الدستور إلى واقع مجتمعى يلمسه المواطن من خلال سن القوانين والتشريعات، بهدف إحداث نهضة مجتمعية شاملة تنتقل بنا الى مصاف الدول الديمقراطية الحديثة.
والواقع أن الشعور العام تجاه مجلس النواب بات بارداً ومنصرفاً عن جلساته ومناقشاته وتشريعاته، وفقد المواطن حماسه تجاه مجلس النواب، باعتباره أهم الأدوات السياسية المنوط بها استنهاض مقومات الشعوب على شتى المستويات، والواضح أن المهمة جاءت ثقيلة على عاتق مجلس النواب بعد استحقاقين هامين أولهما الثورة الشعبية الجارفة فى الثلاثين من يونيو التى حددت ملامح خارطة الطريق لمستقبل مصر خلال خطاب القائد عبدالفتاح السيسى وإعلانه انحياز الجيش الوطنى الى جانب الشعب فى مطالبه العادلة تجاه حكم جماعة دينية فاشية، أما السبب الثانى كان بسبب الاستحقاق الدستورى الذى حاز قبولاً شعبياً كاسحاً بعد أن تضمنت نصوصه كل عناصر ومقومات وأسس بناء الدولة المدنية الحديثة.
هنا تكمن أسباب الفجوة بين الصحوة المصرية والشعور الجارف نحو بناء دولة ديمقراطية حديثة على شتى المستويات، وترسخت بجلاء فى إقبال المصريين على شراء شهادات قناة السويس وجمع «68» ملياراً فى أسبوع.. وبين حالة الإحباط التى تسربت إلى النفوس وانصراف غالبية المصريين مرة أخرى عن البرلمان بشكل خاص والشأن العام بشكل عام، فى دلالة واضحة على أننا ما زلنا فى حالة صراع قيمى بين ما قبل الخامس والعشرين من يناير وما بعدها وما بعد الثلاثين من يونيو.. أى بين صراع قيم الديكتاتورية والفساد التى استشرت فى المجتمع لسنوات طويلة وقيم الفاشية الدينية التى انتهزت الفرصة، وقفزت على السلطة فى محاولة للمصادرة على الدولة المصرية ومؤسساتها بكل ما تحمله من مقومات ليبرالية، وبين قيم الواقع الجديد الذى يحمل آمال وطموحات عامة الشعب المصرى.
قطعاً إن حالة الصراع القيمى تستمر لفترة فى أعقاب كل الثورات، ويأتى دور الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية فاصلاً من خلال الحركة داخل المجتمع وبناء قواعد جديدة من المستويات الشعبية، وحتى قمة الهرم السياسى بهدف إحداث عملية التغيير والمشاركة فى كل الاستحقاقات السياسية بدءاً من انتخابات المحليات على كل مستوياتها ومروراً بالانتخابات مجلس النواب وانتهاء بالانتخابات الرئاسية بهدف الحصول على النسبة الحاكمة لتشكيل الحكومة أو المشاركة فيها، وتنفيذ برنامجه السياسى، وكلها خطوات وإجراءات ترسخ عملية المشاركة السياسية والتحول الديمقراطى الحقيقى الذى يسعى إليه الشعب المصرى على مدار سنوات طويلة.