لم يمتدح الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم، بعروبته، ولا بنسبه ولا بحسبه، ولا عشيرته، واذا كان هناك تعبير قرآني، يمتدح النبي، حقا، فهو تلك الاية الكريمة « وانك لعلى خلق عظيم».
اكثر امة تسمي ابناءها على اسم نبيها، هي نحن، اذ ان اسم محمد صلى الله عليه وسلم، موجود في اغلب البيوت، وفي أوروبا يتصدر قائمة الأسماء، وفقا للإحصاءات، وقد يكون الحال ذاته في العالمين العربي والإسلامي، ما بين اسمه المباشر، أي محمدا، او الأسماء المشتقة من اسمه، مثل احمد، ومصطفى، والاسماء المركبة، مثل محمد نور او محمد رسول او محمد خير وغيرها.
بلا تطاول على الناس، اعتقد ان الازمة الحقيقية التي تعصف بالعرب والمسلمين، هي ازمة أخلاقية أولا، خصوصا، على صعيد المعاملات، بين بعضنا البعض، ولربما نحن من الأمم التي تحب نبيها جدا، لكننا لا نمتثل لما تعنيه الاية السابقة، من إشارة الى المعيار الأخلاقي، واهميته في توصيف أي شخص تتعامل معه، واذا تأملنا المعاملات السائدة، لوجدنا بكل بساطة غياب المعيار الاخلاقي.
اكل حقوق الناس، الجرأة على الضعفاء، شيوع الكذب والاحتيال والغش، الجرأة على اموال الإرث بخصوص حصص الاناث، الجرأة على حقوق العمال والغرباء، الجرأة على سوء معاملة الاخرين، في الشارع، والعمل، والجيران، عقوق الوالدين، اهمال الاخوات، معاداة الاشقاء، ظلم الأبناء، تمني الشر للاخرين، الفرح بضرر الاخرين، الحسد، الغيرة، النميمة، الكراهية، التمييز بين الناس، لاي سبب كان، التعصب للعائلة، استحلال المال الحرام، من رشاوٍ، وعمولات، والقائمة تطول حقا، والكل بإمكانه ان يضيف عليها، والكل يدرك في قرارته الى اين وصلنا، على المستوى الفردي والجمعي؟!.
كلنا نتورط في هذه الأخطاء، بمن فيهم كاتب هذه السطور، حتى لانبدو بصورة الواعظين هنا، لكننا في الحقيقة نقول شيئا، ونفعل شيئا آخر في حياتنا، فكم تبقى من محمد صلى الله عليه وسلم فينا؟!.
كلما جاءت ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أي مثل هذا اليوم، استذكر وغيري، كيف ان اغلبنا يمارس العبادات بشكل شكلي، وربما ندرة هي التي ينعكس معنى العبادات عليها في الجانب الأخلاقي، واذا ذهبنا الى المسجد يوم الجمعة مثلا، لما وجدنا مكانا، الاف المصلين، في كل مسجد، لكن القيمة الأخلاقية غائبة، في ادلة واضحة، اقلها اغلاقات الطرق حول المسجد، بسبب السيارات، دون مراعاة لمريض قد تمر سيارته، والنفايات التي يتم رميها قرب المسجد بعد انفضاض الصلاة، وموسم البيع بالسيارات، وغير ذلك من قصص نسمعها او نراها.
اذا كانت كل هذه الجموع، مؤمنة بما يعينه الايمان من اشتراطات أخلاقية، وبما تعنيه محبة النبي، والتأثر بقيمه، والقيم الأخلاقية التي مارسها في حياتها، فلماذا يشيع بين العرب والمسلمين، عموما، كل هذا الخراب الأخلاقي، ولابد ان اشير هنا، الى ان المعيار الأخلاقي، نجده عند أمم غير مسلمة، وعند أمم بلا دين، في حالات كثيرة، ولنتأمل كيف ان المعيار الأخلاقي، لامم غير مسلمة، ومعيار العدالة، اديا معا، الى نهضة على كل المستويات، فهذان هما المفتاحان الأساس، لكل امة.
النبي ذاته، صلى الله عليه وسلم، قال « انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق» ونلاحظ هنا، انه لم يفترض ان الاخلاق غائبة كليا، قبل رسالته، فاستعمل كلمة « اتمم» أي إضافة قواعد جديدة، على القواعد الأخلاقية التي يدركها الانسان بفطرته، وباحساسه، وبمعرفته الفرق بين الخطأ والصواب، وحين يشير النبي الى مهمته، القائمة فعليا، على التوحيد، وعلى إتمام مكارم الاخلاق، ومطابقتها بتوصيف الله له عز وجل، بحسن الخلق، ندرك ان الاخلاق بما تعنيه، هي الأساس في كل شيء.
مناسبة ميلاد النبي، ليست مناسبة للوعظ والإرشاد، فهذه ليست مهمتي. هي مناسبة لنقد الذات، نقد ذاتي أولا، قبل غيري، ليبقى السؤال عما تبقى فينا من محمد صلى الله عليه وسلم، وعما تبقى فينا من اخلاقه، دون مس للناس، او اتهام، او طعن في نواياهم، او مآلاتهم عند الله عز وجل.