ما أكثر العظماء الذين خلَّدهم التاريخ، وصاروا ينبوعًا تستقي منه الأجيال.. لكن واحدًا فقط استطاع تأصيل القيم الإنسانية وتأكيد الأخلاقيات السامية، بما تحمله من معاني الحق والعدل والسماحة والسلام.
عندما تجتمع الفضائل كلها في رجل، تتجلى فيه صفات الكمال البشري، والرحمة والمغفرة، والخُلُق العظيم، والنفس الزكية، وقيم التسامح، والآداب الرفيعة، ومكارم الأخلاق والفضيلة.. فهو بالتأكيد «مُحَمَّد».
وعندما نتحدث عن أعظم العظماء، وأنبل النبلاء، الذي قهر الأهواء حتى بلغ أسمى مقاييس الإنسانية، فهو بالتأكيد «مُحَمَّد»، الرسول الأعظم والنبي الأكرم.. خاتم الأنبياء والمرسلين، المصطفى رحمة للعالمين.. صاحب الشفاعة، والسراج المنير، ومنارة السائلين، وقدوة المتقين.
نوره أضاء ـ ولا يزال ـ جنبات الأرض بالتوحيد والهداية.. ومولده يوم مشهود في تاريخ الإنسانية، ولذلك نجد من الصعوبة بمكان وصف هذا النموذج المتفرد، الذي لا أقل من تخليد الاحتفاء به، وفاءً بحبه، وتكريمًا له، واقتداء بهديه وسنته.
يوم مولده، هو ميلاد حضارة ومجد أمة.. حيث جمع الشمل وألَّف القلوب، وأقام صرح العدالة والمساواة، وحارب الظلم والفساد والعصيان، وأوقد جذوة العلم والمعرفة، وحارب الجهل والضلال.. ولذلك لم يعرف التاريخ منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة، شخصية اكتملت فيها كل الصفات السامية، مثل «مُحَمَّد».
أعطاه الله في الدنيا شرف النسب، وكمال الخلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل، وصحة الفهم، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس.. وسيرته المباركة تؤكد أنه بحق، المثال الكامل والأعظم بلا منازع، لكل من يفهمون العبقرية وخصائصها.
وعندما نتحدث عن رجل اكتملت عنده معالم الدين، والعلم، والحلم، والصبر، والزهد، والشكر، والعدل، والتواضع، والعفو، والعفة، والجود، والشجاعة، والحياء، والمروءة، والسكينة، والوقار، والهيبة، وحُسن السيرة، فهو «مُحَمَّد».
الرسول الأعظم الذي وجبت محبته، لا ولم ولن تجد البشرية نظيرًا له أو مماثلًا، تقتدي به، وهي تتلمس طريقها نحو عالم الكمال والمثالية، البعيدة عن الجمود والتعصب، لأنه ببساطة رجل المبادئ العظيمة، التي لا تعرف الغش والخداع، أو التضليل والبغي والعدوان.
لعل ذروة تلك الفضائل التي جاء بها «مُحَمَّد» هي قيمة السلام.. إليها دعا، ومن أجلها جاهد، ليتمم مكارم الأخلاق.. جاء بالهداية والرحمة والمغفرة، وعلَّم الكتاب والحكمة، وبَشَّر وأنذر، ونهى عن التعسير، ويَسَّرَ وبالغ في النصيحة، ودعا إلى دروب النجاح.
«مُحَمَّد» فكرة امتدت لأكثر من أربعة عشر قرنًا، وستظل خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، ولذلك فإن ذكراه فرصة أن يحاسب الإنسان نفسه على ما فرَّط فيه من هجر لسننه، وما تعمَّدت فيه من ابتعاد عن منهجه القويم.
«مُحَمَّد» باختصار، هو تجسيد حقيقي للرحمة الإلهية والبشرية في أسمى صورها وأبهى معانيها، ومثال حيّ للتأكيد والدفاع عن القيم والأخلاق والمبادئ، وأنموذج واضح للعمل الصادق على إحقاق الحق، وتحرير الإنسان من الظلم والقهر.
في ذكرى مولده الشريف، نصلي ونسلم على الهادي المهديّ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، أزكى الصلوات وأتم التسليم.. اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.