هل لدى طهران القدرة على التخفيف من وطأة العقوبات الأميركية الجديدة عليها والتي تعتبر الأقسى في تاريخ العلاقة بين البلدين، لمدة من الزمن لأسباب عدة، أم أنها ستحتاج إلى الكثير من المرونة والوقت والتنازلات من أجل معالجة آثار هذه العقوبات المؤذية لاقتصادها ولنظامها السياسي ولعلاقتها بالمجتمع الدولي، قبل أن تفعل العزلة التي تتوخاها العقوبات فعلها؟
من المحال الركون إلى البروباغندا الإيرانية التي يتولاها وزير الخارجية محمد جواد ظريف وقادة الحرس الثوري، القائلة إن أميركا في عزلة على الصعيد الدولي وإن إيران تتمتع بانفتاح دول أوروبا عليها لمجرد وقوف هذه الدول ضد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. فهذه الدول لم تحل دون انسحاب كبرى الشركات الأوروبية والعالمية من السوق الإيراني الذي كان واعداً بالنسبة إليها بعد الاتفاق على النووي معها عام 2015، على رغم رفضها موقف ترامب الانسحاب من الاتفاق. وهي لم تستطع إلى الآن أن تقدم ضمانات بديلة للمنافع الاقتصادية للاتفاق، ولمفاعيل العقوبات.
قد يستفيد حكام طهران من عامل الوقت الذي يتطلبه ظهور آثار العقوبات في المجتمع الإيراني، من أجل الترويج الزائف على طريقتهم لقدرتهم على التغلب على نتائجها. إلا أنه ترويج مناقض لسيل التصريحات التي تدل إلى أن بلاد الفرس تئن تحت وطأة الحصار الاقتصادي منذ الآن، وإلى الازدواجية في المواقف. ومنها قول الرئيس حسن روحاني للإيرانيين «أمامكم مرحلة صعبة»، وقول أحد أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، أن «نحو 70 في المئة من المصانع والمناجم في البلاد مغلقة أو مفلسة»… أما المرشد السيد علي خامنئي فأقر بـ «حساسية» العقوبات ثم دعا شعبه إلى «عدم القلق».
يستبطن قول روحاني أيضاً «إننا سنلتف بفخر على عقوباتكم غير المشروعة والظالمة، لأنها تخالف القوانين الدولية»، مراهنة منه على أن احتمال غض النظر من قبل واشنطن عن بعض هذه العقوبات، يمكن أن يكون موازياً لواقعيته، إذا فتحت خطوط التفاوض الخلفية التي كان رحب بها ظريف عبر سلطنة عُمان بين بلاده ودونالد ترامب. العنجهية الفارسية تتحكم كالعادة بالدعاية الإعلامية لإظهار القوة، فيما يقبل حكامها على التنازلات باسم «تفاوض الشجعان» كما حصل في المحادثات مع مجموعة 5 + 1 عام 2015 ، ومن ضمنهم «الشيطان الأكبر».
إمكانية التخفيف من أضرار العقوبات ليست مرتبطة بقدرة إيران على مواجهتها. فظهور تأثير رزمة العقوبات الجديدة يتطلب وقتاً قبل أن يعتمد حكام طهران سياسة مختلفة عن تلك التي قادت إليها.
الوقت سيلعب دوراً في هذه العملية المعقدة التي دشنت مرحلة جديدة في التعاطي الأميركي مع موقع الدولة الفارسية في الإقليم. ولطالما لعب حكام طهران على عامل الوقت، إن في ما يخص سياستهم الهجومية أو في سياستهم الدفاعية. فهل سيكون لمصلحتهم كالسابق؟
جملة عوامل تتحكم بالوقت المتاح لطهران، بدءاً بالإعفاءات التي منحتها واشنطن لثماني دول من الحظر على استيراد نفطها الخام. إلا أن مفاعيل هذا الإعفاء تنتهي خلال 6 أشهر وهدفه مزدوج: إتاحة المجال لهذه الدول أن تنفذ عقوداً سابقة، واستباق ارتفاع الأسعار العالمية في انتظار تعويض حاجة السوق العالمي نتيجة وقف التصدير الإيراني، من المصادر الأخرى. الوقت المستقطع هنا ليس لمصلحة طهران كما يوحي حكامها، خصوصاً أن بعض الدول الثماني خفض طلبه النفط الإيراني زهاء النصف قبل سريان العقوبات، بل هو لمصلحة الجهة التي فرضت العقوبات والمعنية بعدم ارتفاع أسعار النفط، ما يحول دون إفادة طهران نفسها منه لإدخال عملات صعبة.
العامل الثاني في لعبة الوقت هو أن القادة الإيرانيين ادخروا جزءاً من بلايين الدولارات التي أعادها إليهم باراك أوباما. لكن إنفاقها يخفض احتياطهم ويزيد من تدهور عملتهم.
وهم يراهنون على إعلان رجب طيب أردوغان أن تركيا لن تلتزم العقوبات، فيما الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة أنقرة، ولأن من عادة واشنطن أن تترك «مسارب» للتهرب من العقوبات، إذا واكبها استعداد طهران للتفاوض حول نقطتين جوهريتين من المطالب الـ12 التي طرحها الأميركيون: إنهاء برنامج الصواريخ الباليستية، ووقف تدخلاتها في دول المنطقة عبر أذرعها «المصنفة إرهابية، «لزعزعة الاستقرار فيها». سبق لظريف أن «تمسكن» حين برر البرنامج الصاروخي بالقول إن بلاده لم تكن تملك صاروخاً واحداً حين أمطرها صدام حسين بالصواريخ إبان الحرب معه، وأن صواريخها دفاعية.
لم تعد الحجة قابلة للاستخدام في وقت تطلق هي الصواريخ على دول عربية انطلاقاً من 4 دول ادعت السيطرة على عواصمها.
بيت القصيد من العقوبات، أن تعود طهران… إلى طهران.