نون والقلم

طارق تهامي يكتب:عندما تصبح الأمة مصدراً للسلطات!

• قيمة ثورة 1919 ليست فى مظاهراتها العارمة، ولا فى الضغوط السياسية على الإنجليز، أو قدرتها على تقليم أظافر الملك، فى مواجهة الشعب، ولكن قيمتها الحقيقية، هى أن الأمة أصبحت مصدراً للسلطات، بصرف النظر عن انتهاك السلطة لهذا المفهوم، عبر استخدامها للقوة والبطش، ولكن المصريين كانوا يواجهون البطش، بالمواجهة السياسية والدستورية، وكانوا يعرفون أنهم يتعرضون للسرقة، وكانوا يقولون للحاكم قف مكانك، نحن هنا !وكانت الثورة هى قوة الدفع التى جعلت الوطن يتوحد خلف زعيمه فى كل المعارك.

أخبار ذات صلة

•  فى إبريل 1922 تم تشكيل لجنة لوضع الدستور وقانون الانتخاب برئاسة حسين رشدى باشا وكان أحمد حشمت باشا نائبًا له، بالإضافة إلى 30 عضوًا ولذلك عرفت باسم «لجنة الثلاثين» وضمت اللجنة مفكرين وأدباء ورجال قانون ورجال مال وأعمال وأعياناً ورجال دين وتجارًا وساسة وعلماء وامتنع حزب الوفد والحزب الوطنى عن المشاركة فيها، وقد وصف الزعيم سعد زغلول، الذى كان وقتها فى المنفى، هذه اللجنة بأنها «لجنة الأشقياء» لأنه طالب بأن يضع الدستور جمعية وطنية تأسيسية تمثل الأمة لا لجنة تؤلفها الحكومة.

< وكان اعتراض سعد زغلول مستندًا إلى مبدأ لا يقلل من أعضاء التأسيسية التى ضمت وقتها أسماء لامعة هى: يوسف سابا باشا وأحمد طلعت باشا ومحمد توفيق باشا وعبدالفتاح يحيى باشا والسيد عبدالحميد البكرى والشيخ محمد نجيب والأنبا يؤانس وقلينى فهمى باشا وإسماعيل أباظة باشا ومنصور يوسف باشا ويوسف أصلان قطاوى وإبراهيم أبورحاب باشا وعلى المنزلاوى بك وعبداللطيف المكباتى بك ومحمد على علوبة بك وزكريا نامق بك وإبراهيم الهلباوى بك وعبدالعزيز فهمى بك ومحمود أبوالنصر بك والشيخ محمد خيرت راضى بك وحسن عبدالرازق باشا وعبدالقادر الجمال باشا وصالح لملوم باشا وإلياس عوض وعلى ماهر بك وتوفيق دوس بك وعبدالحميد مصطفى بك وحافظ حسن باشا وعبدالحميد بدوى بك. ورغم رفض سعد لهذه اللجنة كان أول المدافعين عن الدستور فى مواجهة الطغيان والاستبداد، فقد جاء دستورًا معبرًا عن كل الأمة وليس دستورًا فئويًا أو دينيًا أو حزبيًا.

• لقد كان موقف «سعد» نابعًا من مبدأ رفضه لاختيار الحكومة لأعضاء اللجنة، وقاد ثورة ثانية لتصحيح الأوضاع المقلوبة، رغم أنه قاد ثورة تنظر للأمام فصنعت مرحلة ليبرالية أفرزت أبرز رواد الفكر والأدب والفن والاقتصاد والسياسة.

• من أهم إنجازات ثورة 1919 وهذه المرحلة الليبرالية العظيمة، هو إنتاجها وولادتها لشخصية تاريخية لا تتكرر، هى شخصية الزعيم الجليل، زعيم الأمة، سيد الناس مصطفى النحاس.

• بعد وفاة سعد زغلول عام 1927 تم اختيار مصطفى النحاس باشا رئيساً للوفد ورئيساً للبرلمان، فكان الرجل مميزاً في إدارته للوفد والوطن وكان يستعير فكر القاضي العادل، فقد كان «النحاس» من أبرز رجال القضاء في زمنه، وتصف الكاتبة سناء البيسي هذه المرحلة من حياته وصفاً مبدعاً عندما كتبت عنه في الأهرام يوم 8 سبتمبر 2007 قائلة، «دولة مصطفي النحاس، الوحيد المتفرد علي أرض مصر أول من سبق اسمه لقب دولة،كان لقاؤه الأول بسعد زغلول في عام 1909 عندما كان يشغل موضع العضو الشمال في إحدى الدوائر القضائية بمحكمة القاهرة في الدائرة التي يرأسها صالح حقي باشا، وأثناء نظر إحدى القضايا مال رئيس الدائرة علي عضو اليمين وتحدث معه، ثم مال علي عضو الشمال مصطفي النحاس وقال له باستخفاف: سنصدر حكماً بكذا، فقال النحاس»: أنا ليّ رأي آخر ويجب في هذه الحال الانتقال إلي غرفة المداولة، ولكن حقي باشا لم يستجب لطلب «النحاس» ونطق بالحكم، فما كان من الأخير إلا أن قال لكاتب الجلسة بصوت عال وعلي مرأي ومسمع من جمهور المتقاضين وغيرهم من المواطنين داخل قاعة المحكمة: اكتب أنه لم يؤخذ برأي عضو الشمال في هذا الحكم، وحدثت ضجة كبري داخل القاعة مما اضطر حقي باشا إلي رفع الجلسة والانتقال إلي غرفة المداولة، وترتب بعدها بطلان الحكم، ولم يجد حقي باشا ما يشفي غليله إلا أن يشكو «النحاس» إلي وزير الحقانية وقتها سعد زغلول الذي استدعي إليه «النحاس» لتكون المقابلة الأولي بينهما التي أسفرت عن اعتزازه بموقف «النحاس»، فأصدر قراراً بنقله قاضياً جزئياً تكريماً وإعجاباً بشجاعته، وتمضي مسيرة سعد زغلول الوطنية ليتم تأليف الوفد المصري في نوفمبر 1918 استعداداً للسفر إلي بريطانيا من ثلاثة من المنتمين للحزب الوطني كان «النحاس» أحدهم، ومن يومها أصبح «النحاس» سكرتيراً عاماً للوفد وأقرب الشخصيات إلي قلب «سعد»، وعندما اشتعلت ثورة 1919 كان زميل المنفي بعدما اعتقلت السلطات سعد زغلول ومصطفي النحاس وفتح الله بركات وعاطف بركات وسينوت حنا ومكرم عبيد في 23 ديسمبر 1921 وقامت بنفيهم إلي جزيرة سيشل، وأمام الثورة العارمة للشعب اضطرت انجلترا إلي إطلاق سراح الثوار.

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى