نون والقلم

ماهر ابو طير يكتب: إلى من يهمه الأمر من العرب

  الكارثة التي حلت بالشعب السوري، لم نر مثلها، خلال هذا العصر، وربما هي أسوأ الازمات التي رأيناها في المشرق العربي، مأساة لعبت جهات عديدة، دورا فيها، دون ان تأبه بالكلفة، ولا بالنتائج.

ملايين الأطفال السوريين، عاشوا حياة مريعة، تحت القصف، وبسبب التشرد، داخل سوريا او خارجها، جاعوا وتعرضوا الى ويلات بسبب غياب الطمأنينة، والتعليم، والعلاج، هذا فوق الاثار النفسية لهذه الحالة التي مر بها الاشقاء السوريون.

نحن امام أجيال بحاجة الى من يساعدها، بعد كل هذه البلاءات التي تنزلت حتى على وعيهم الجمعي، وعلى شخصياتهم ، وذاكرتهم، وبنيتهم، وما يمكن توقعه بخصوص مستقبلهم.

لدينا مثلين هنا، الأول يتعلق بحالة الأطفال السوريين في الأردن، من زاوية محددة، والثاني يتعلق بملف الاطفال السوريين الايتام، من حيث التقديرات الدولية، والمشترك بينهما، انهما يعطيان ذات الدلالة، أي ان أطفال سوريا، بحاجة اليوم، الى مبادرة عربية ودولية، من اجل انقاذهم، بدلا من بيانات التضامن، التي لاتفيد أحدا، فنحن امام كارثة مروعة.

وفقا لتقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فإن عدد الأطفال من اللاجئين السوريين «غير المصطحبين» و«المنفصلين» عن ذويهم داخل الاردن بلغ حتى نهاية العام الماضي 3264 طفلا، وهذا مجرد نموذج مصغر، لما تعرض له أطفال سوريا، بسبب الحرب.

يتم اطلاق مصطلح الأطفال «غير المصطحبين» للدلالة على الأطفال اللاجئين الذين دخلوا الأردن دون أي مرافقة من أقاربهم أو معارفهم، وعدد هؤلاء 250 طفلا لايصطحبه احد، دخلوا الأردن، مع لاجئين اخرين، هاربين من الحرب، دون ان يكون معهم احد من أهلهم، فيما البقية  من اصل 3264 طفل سوري، هم من الأطفال «المنفصلين» اي الذين دخلوا إلى الاردن دون والديهم لكن برفقة أشقائهم أو أقارب لهم من الدرجة الثانية أو الثالثة.

بعض هؤلاء فقدوا عائلاتهم في سوريا، فأخذتهم عائلات أخرى خلال خروجهم الى الأردن، وبعضهم بقيت عائلاتهم في سوريا، وفضلوا ارسال الأطفال من باب حمايتهم الى الأردن، مع اشقاءهم او أقارب من الدرجة الثانية او الثالثة، وقد تكون هناك حكايات مخفية، لايعرف اصلها احد، حول سبب خروج هؤلاء ا لاطفال، ومدى معرفة احد من أقاربهم حقا في سوريا، انهم في الأردن، او أي بلد آخر، وماينطبق على حالة هؤلاء في الأردن، يؤكد ان هناك الاف مثلهم، في لبنان، والعراق، وتركيا، أيضا.

هذه الكارثة هنا، لاتنفصل عن كارثة موت الأطفال في سوريا، او تعرضهم الى إصابات، او مشاكل صحية، او الى اليتم، ولااحد يعرف الأرقام الحقيقية النهائية، حول عدد الأطفال السوريين الايتام، مثلا، او عدد المفقودين، او الذين تعرضوا الى إصابات، او حتى اختفوا في ظروف غامضة، وهذا يأخذنا الى النموذج الثاني، الذي له أوجه عديدة، لكننا نتحدث عن زاوية الايتام حصرا.

تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» عام 2017 تقول ان عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما يبلغ نحو مليون طفل، ما يُعتبر كارثة بكل المعاني، خاصة وان عدد سكان سوريا قبل الحرب كان تقريبا 24 مليونا، ثلثهم من الأطفال، ما يعني أن نحو 10% من أطفال سوريا أيتام أحد الوالدين أو كلاهما بسبب الحرب، والرقم مرعب حقا.

هذا هو الانسان العربي، ولنذهب الى العراق، مثلا، حيث تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» في تقرير نشرته نهاية نيسان الماضي 2017، أيضا، ان في العراق ستة ملايين طفل يتيم، يعانون من أسوأ الظروف، واخطرها، جوع وتفقير وامراض، واذا جمعنا هذا الرقم، مع ارقام الأطفال السوريين، وبقية مانراه في دول عربية، نقف حقا امام كارثة هذا العصر.

يبقى السؤال: لماذا يتعامى العرب، عن هذه الخسائر في بنية المنطقة، ولمن يتم ترك ملايين الأطفال، وعن أي مستقبل نتحدث، ونحن امام هذا الواقع، ومن لديه القدرة لاطلاق مشروع  لاسترداد كل هؤلاء، من هذا المصير الذي يؤشر على أجيال تتسم بالغضب والرغبة بالثأر والانتقام وضياع المستقبل وتبدد الحياة.

والسؤال مفرود لمن يعرف الإجابة.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى