ابتداء من الغد سيواجه النظام الإيراني محنة هي الأكثر قسوة والأشد وطأة في تاريخه، إذ ستدخل العقوبات الأمريكية الجديدة حيز التنفيذ. العقوبات الجديدة هي الأكثر شمولا والأكثر تأثيرا اذ تطال كل القطاعات الحيوية في الاقتصاد الإيراني، ومن شأنها ان تلحق بالفعل الشلل بإيران اقتصاديا. ومما يزيد من وطأة العقوبات الجديدة ان إيران غارقة أصلا في أزمة اقتصادية واجتماعية طاحنة والغضب الشعبي على النظام يزداد يوما بعد يوم.
في مواجهة هذه المحنة لا يعرف النظام الإيراني ماذا يفعل بالضبط وكيف له ان يتجنبها أو حتى يحد من تأثيراتها. وأحد أكبر رهانات النظام الإيراني التعويل على مواقف الدول الأوروبية.
في هذا السياق، قبل يومين، كتب الرئيس الإيراني حسن روحاني مقالا نشرته جريدة «فاينناشيال تايمز» البريطانية، والمقال هو أساسا بمثابة خطاب موجه إلى الدول الأوروبية. من المهم أن نقف على ما قاله روحاني، فهو يجسد كيف يفكر النظام الإيراني اليوم.
بالطبع، يشن روحاني في مقاله هجوما عنيفا على الإدارة الأمريكية، ويتهمها بأنها تهدد التعددية في العالم، وتهدد الأمن والسلمي العالميين وتعرضهما للخطر.
ويحاول روحاني التودد إلى الدول الأوروبية بهجومه على ترامب، ويقول ان الرئيس الأمريكي يهين حلفاءه الأوروبيين، وان سياساته ومواقفه تتناقض مع القيم والتقاليد السياسية والاجتماعية الأوروبية.
وكما هي العادة مع الخطاب السياسي الإيراني عموما، لا يتردد الرئيس الإيراني في الخداع والتضليل فيما يكتب، ويردد كلاما كثيرا في هذا الإطار هو في حقيقته بمثابة كذب وتزييف فاضح.
روحاني يقول مثلا ان ترامب حين انسحب من الاتفاق النووي، وحين يفرض العقوبات على إيران، فانه يفعل ذلك بناء على دعاوى وادعاءات لا أساس لها، وبلا أي مبرر أو سبب.
طبعا، هذا تضليل صريح، فالرئيس الأمريكي حين فعل هذا، قدمت ادارته بوضوح شديد وبالتفصيل الممل، الأسباب التي تستند اليها ودعتها إلى اتخاذ هذا الموقف، والتي تتلخص في ان إيران استغلت الاتفاق النووي لدعم وتمويل الإرهاب في المنطقة، وفي ان سياسات إيران وما تمارسه من إرهاب ودعم للجماعات والقوى الإرهابية تقوض امن واستقرار دول المنطقة، وان كل هذا يجب أن يتوقف.
وروحاني مثلا يزعم في مقاله ان إيران تلتقي مع أوروبا في ايمانها بقيم التعددية والسلام، وانها تعمل مع الدول الأوروبية من اجل إيجاد حلول مناسبة لأزمات ومشاكل المنطقة.
وكل هذا كذب وتضليل. إيران هي التي تفجر أزمات المنطقة ولا علاقة لها بالسلام ولا بالبحث عن حلول للأزمات، كما لا علاقة لها بأي قيم للتعددية أو السلام.
كل هذا الذي كتبه روحاني تمهيد للهدف الأساسي الذي من اجله كتب المقال، وهو الاستغاثة بالدول الأوروبية ودعوتها إلى ان تهب لنجدة إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية الجديدة.
بعبارة ادق، مقال روحاني هو اشبه بنداء استغاثة يوجهه إلى الدول الأوروبية.
روحاني يناشد الدول الأوروبية، وأيضا روسيا والصين، إلى ان تسارع وتبادر فورا بتطبيق حزمة الإجراءات التي وعدت بها من اجل مساعدة إيران في مواجهة العقوبات، ومن اجل تعويضها عن العقوبات الجديدة التي على وشك ان تدخل حيز التنفيذ، ويعتبر ان اقدام أوروبا على هذا هو لخدمة مصالحها، ولخدمة الأمن والسلام في العالم.
اذن، روحاني يدعو أوروبا إلى ان تهب لنجدة إيران، ويعتقد ان هذا هو أمل النظام الإيراني في مواجهة العقوبات القاسية الجديدة.
لكن ماذا تستطيع أوروبا ان تقدم حقا لإيران؟
هذا حديث آخر بإذن الله.
نقلا عن صحيفة صحيفة الخليج البحرينية