«تمكنهم هزيمتنا إذا نجحوا في اختراق معنوياتنا». يبدو كأن العبارة الشهيرة لعمر المختار ترسخت في عقول وقلوب شعوب تواجه منذ سنوات حرباً ضروساً، لا تُستخدم فيها أسلحة وطائرات وصواريخ وبوارج وغواصات وإنما فتن ومؤامرات وأكاذيب ومنصات إعلامية تقذف، على مدى الليل والنهار، أسراب التحريض ودعاوى الفوضى، ناهيك عن دعم الإرهاب وتبرير جرائمه، والاغتيال المعنوي لكل شخص يتخذ موقفاً من «الإخوان»، أو يعارض دعم قطر الإرهاب، أو يرصد أحلام تركيا التوسعية، أو ينبه إلى اختراق المتطرفين مؤسسات غربية.
منذ سقوط حكم «الإخوان» في مصر لم تهدأ محاولات الجماعة والدول التي تدعمها، خصوصاً قطر وتركيا والجهات التي تؤيدها كأجهزة استخبارات غربية ومنظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية ومراكز بحثية، استغلال كل واقعة أو كارثة طبيعية تقع في مصر لمحاولة تمكين «الإخوان» مجدداً من العودة إلى واجهة الصورة، أو تبييض وجوه رموز الجماعة، وغسل سمعة التنظيم بعد ما اكتشف البسطاء في مصر وشعوب المنطقة والناس في أنحاء العالم، حقيقة «الإخوان» ومؤامراتهم، واطلعوا على الجرائم التي ارتكبوها، ورصدوا تحالفات الجماعة مع تنظيمات إرهابية أخرى كانوا يتصورون أن لا علاقة لـ «الإخوان» بها.
في مرحلة لاحقة وجد «الإخوان» أن مصر ليست وحدها، وأن الشعب المصري الذي ثار ضد حكم الجماعة «وخلع» محمد مرسي عن المقعد الرئاسي تسانده شعوب أخرى اتخذت أيضاً مواقف مناوئة لـ «الإخوان» ورافضة تغلغل التنظيم في مجتمعاتها، ومحاولات الجماعة التسرطن في مؤسساتها، فاتسعت حملة «الإخوان» لتشمل أيضاً المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، وتلاقت مصالح التنظيم مع قطر وتركيا مجدداً، فالدول الثلاث بالإضافة إلى مصر تعارض بالأساس دعم قطر الإرهاب واحتضانها رموز الإرهابيين، وإنفاقها على معسكرات الجماعة الإرهابية في بلدان عدة، بينما تركيا تحولت ملاذاً للفارين من الملاحقات القضائية وهي تقدم دعماً معنوياً مهماً لـ «الإخوان» وحلفائهم، كما سمحت بأن تتحول أراضيها إلى قاعدة لمنصات إعلامية تطلق من خلالها مواد التحريض وقذائف الكراهية. لذلك لم يكن غريباً أن تستغل هذه الأطراف حادث جمال خاشقجي لإحداث أكبر ضرر ممكن بالسعودية، تماماً ومن دون أي اختلاف عن استخدامها حادث المواطن الإيطالي ريجيني في مصر أو المزاعم والأكاذيب التي لا تتوقف عن الإمارات والبحرين. لم يغب عن متابعي ما جرى في القنصلية السعودية في إسطنبول أن كل التسريبات والمعلومات والأخبار لا تتجه إلى كشف تفاصيل الحادث وإنما تصب في زاوية التحريض على المملكة، وهذا ما يفسر الإحباط الذي شعر به «الإخوان» والمنصات الإعلامية القطرية بعد كلمة الرئيس التركي أخيراً، إذ كانوا يأملون بأن يطرح معلومات تسبب حرجاً للسعودية وفوجئوا بأن التفاصيل التي أعلنتها السلطات السعودية ذاتها تحوي وقائع أكثر بكثير من تلك التي جاءت على لسان الرئيس التركي.
عموماً هناك ثقة في جدية التحقيقات السعودية وشفافيتها حول الحادث، أما الجانب الآخر المتعلق بمحاولات «الإخوان» وقطر وبقية ذلك التحالف لاستثمار الحادث فلن يتوقف، وكلما هدأ الحديث عن الموضوع أو وجدت وسائل الإعلام قصة أخرى تنشغل بها أو تشغل الناس ستعمد المنصات الإعلامية القطرية واللجان الإلكترونية «الإخوانـ»ـية والأجهزة التركية إلى تسخين القضية عبر تسريبات جديدة أو فبركات أو أكاذيب وأفلام ومسلسلات إلى أن تظهر في الأفق ملامح أزمة أو كارثة في أي من الدول المعارضة لدعم قطر الإرهاب والراصدة محاولات الهيمنة الإقليمية التركية وصاحبة المواقف الصارمة ضد «الإخوان»، عندها تتحول البوصلة نحو الحدث الجديد لاستغلاله أيضاً لإيذاء مصر أو الإضرار بالسعودية أو التشهير بالإمارات أو النيل من البحرين.
لعل أهم ما أفرزت أزمة مقتل خاشقجي أن الحرب التي تشنها قطر ويحتشد لها «الإخوان» وتتواطأ فيها تركيا تواجه بمقاومة شعبية ويتصدى لها مواطنو الدول الأربع الرافضة دعم قطر الإرهاب، وكلما صعَّدت المنصات الإعلامية من لهجتها واشتدت حدة مؤامراتها تماسكت مجتمعات الدول الأربع بصورة أكبر، لأنها تحصنت ضد «الإخوان» وفطنت إلى مؤامرات قطر ووعت أحلام تركيا التوسعية وتدرك أنها تخوض حرب وجود ضد أعداء الوجود.